للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زهد علي وورعه وعلمه وفقهه]

كان علي زاهداً عابداً ورعاً فقيهاً عالماً شجاعاً مبرزاً فارس الميدان، وهو أشجح الشجعان بالاتفاق، وقد كان عابداً قائماً بالليل، صائماً بالنهار، متصدقاً، زاهداً رضي الله عنه وأرضاه، فكان يأكل الخل، ويمشي مع الصبيان إلى حيث أرادوا، ويعين ذا الحاجة، ويغيث الملهوف رضي الله عنه وأرضاه، وما أروع ما وصفه به ضرار، فلما سأل معاوية ضراراً وقال له: صف لي علياً، قال: نحني عن هذا، قال: لا بد أن تصف لي علياً رضي الله عنه وأرضاه، فقال: والله يا أمير المؤمنين! كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يستأنس بوحشة الليل، طويل الفكرة، غزير العبرة -يعني: أنه بكاء رضي الله عنه وأرضاه- رأيته ذات ليلة وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قائم قابضاً على لحيته يتململ تململ السقيم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا! غري غيري، قد طلقتك ثلاثاً، أبي تشوفت؟ أئلي تطلعت؟ عمرك قصير، وخطرك كبير، آه آه من قلة الزاد وطول السفر ووحشة الطريق! رضي الله عنه وأرضاه.

وكان أيضاً تقياً عالماً، وهو من أعلم الصحابة إن لم يكن أعلم الصحابة بالقضاء، كيف ولا وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (وأقضاهم علي بن أبي طالب)، رضي الله عنه وأرضاه، كما سنبين أن عمر الملْهَم في القضاء كان يأخذ بقضاء علي ويقول: قضية أو مسألة ليس فيها أبو الحسن أعوذ بالله منها.

فكان علي عالماً فقيهاً، وقد قسم الناس من حيث العلم إلى ثلاث مراتب فقال: الناس على مراتب: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم.

وهو الذي أسس أصول علم النحو واللغة العربية لما وكّل بذلك أبا الأسود الدؤلي، وكتب له تقاسيم العلم وقال: من أقسام العلم: ظاهر ومضمر، وما ليس بظاهر وما ليس بمضمر.

فكان عالماً فرضياً.

وكان قاضياً، وقد رفعت مسألة إلى عمر بن الخطاب أن امرأة زنت فاشتبهت هل هي حبلى من هذا الزنا أم لا؟ فقام عمر بن الخطاب ليجلدها الحد، فقال علي: لا تجلدها الحد؛ فقد سلطك الله على جسدها ولم يسلطك على ما في بطنها، أي: أنها تتحين حتى تتيقن هل هي حبلى أم لا، فأخذ عمر بن الخطاب بقول علي بن أبي طالب.

ولما جيء بالمخمور الذي يشرب الخمر أكثر من مرة احتار عمر أيجلده الأربعين أم يجلده فوق الأربعين، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: إن الذي يشرب الخمر إذا شرب الخمر سكر، فإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون جلدة، فأخذ بقوله وجلده ثمانين جلده، رضي الله عنه وأرضاه.

وكان زاهداً، فكان ينصح الأمة بأسرها ويقول: إن الدنيا قد تهيأت مدبرة، وإن الآخرة قد تهيئات مقبلة، ولكل بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا.

رضي الله عنه وأرضاه، ونسأل الله جل وعلا أن يحشرنا في ركابه مع النبي صلى الله عليه وسلم.