للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على الذين يزعمون أن الله تعالى لم يخلق الشر ولم يرده]

قال: [ومن قال ذلك فقد زعم أن مشيئة العباد أغلب من مشيئة الله، وأنهم أقدر على ما يريدون منه على ما يريد، فأي افتراء على الله يكون أكثر من هذا؟! ومن زعم أن أحداً من الخلق صائر إلى غير ما خلق له وعلمه الله منه، فقد نفى قدرة الله عز وجل عن خلقه]، أي: لو علم الله عز وجل أن عبده فلان سيعمل خيراً وطاعة في المكان الفلاني في الساعة الفلانية، فإنه لو أراد ألا يعمل هذه الطاعة لما استطاع؛ لأنه سبق في علم الله أنه سيعمل.

فلما علم الله تعالى أن عبده سيسلك عمل الطاعة يسرها وقدرها له، وأذن في خلقها ووجودها، والعبد هو الذي باشرها وهو الذي عملها، فإذا أراد العبد شيئاً غير ما أراد الله لا يقدر، وإذا شاء العبد شيئاً ما شاءه الله له لا يقدر، بل لابد أن تنفذ مشيئة الله تعالى، وعلم الله تعالى وقدرة الله تعالى في عبده مهما حاول العبد معاكسة ذلك ومخالفة ذلك والإتيان بنقيضه، فإن العبد لا يستطيع أن يغير أبداً.

قال: [ومن زعم أن أحداً من الخلق صائر إلى غير ما خلق له وعلمه الله منه، فقد نفى قدرة الله عز وجل عن خلقه، وجعل الخلق يقدرون لأنفسهم على ما لا يقدر الله عليه منه، وهذا إلحاد وتعطيل وإفك على الله عز وجل، وكذب وبهتان، ومن زعم أن الزنا ليس بقدر].

أي: ومن زعم أن الزنا يقع من العبد بغير قدر الله ومشيئته الكونية القدرية فقد أخطأ؛ لأن الله قدرها أن تقع في الكون، ومعنى قدرها، أي: علمها من عبده قبل أن يخلقه، وقبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وقبل أن يخلق هذه النسمات، علم أن عبده فلان ابن فلان سيزني بفلانة في المكان الفلاني في الساعة الفلانية، فلما علم الله تعالى ذلك منه كتبه في اللوح المحفوظ، وبالتالي فلابد أنه واقع منه.

ولا يعني ذلك جواز الاحتجاج بالقدر على المعصية كما قلنا من قبل؛ لأن الاحتجاج بالقدر على المعاصي سبيل أهل البدع، والاحتجاج بالقدر على المصائب والنوازل سبيل المؤمنين، فإذا نزل بك مرض أو علة أو آفة أو يقتل ولدك أو غير ذلك، كل هذا إذا سألك أحد فقل: قدر الله وما شاء فعل.

أما أن تزني وتقتل وتسرق وغير ذلك، ثم يقال لك: لم ذلك؟ فتقول: قدر الله وما شاء فعل! فتحتج بالقدر على المعصية، هذا سبيل أهل البدع، وكما رجحنا من قبل أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعصية إلا بعد التوبة منها، أما قبل التوبة فهذا مسلك أهل البدع.

قال: [ومن زعم أن الزنا ليس بقدر، قيل له: أرأيت هذه المرأة التي حملت من الزنا وجاءت بولدها، هل شاء الله أن يخلق هذا الولد؟]، مع أنه نتاج من الزنا، فهل هذا الولد خلق بمشيئة الزاني أم بمشيئة الله عز وجل؟ [وهل مضى هذا في سابق علم الله أم لا؟] أي: هل سبق في علم الله أن فلاناً سيزني بفلانة، وأنها ستحمل منه ذكراً أو أنثى؟

الجواب

نعم، [وهل كان في الذرية التي أخذها عز وجل من ظهر آدم؟]، وذلك لما أخرج الله تعالى ذرية آدم من صلب آدم فقال: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٧٢].

وهذا هو الميثاق الأعظم الذي أخذه الله تعالى على عباده لما استخرجهم كالذر من ذرية آدم، ووضع بعضهم أو قسماً منهم في يمينه، وجعل القسم الآخر في يده الأخرى وهي اليمين كذلك، وكلتا يديه يمين سبحانه وتعالى، فهل ترون أن هذا الولد من الزنا ممن أخرج من صلب آدم وأخذ الله تعالى عليه الميثاق، أو أنه لم يخرج؟ والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم قوله: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) أي: شهدوا بالربوبية والألوهية في وقت واحد.

و

الجواب

أن هذا الولد من الزنا لما أخرج الله عز وجل ذرية آدم من صلب آدم كان فيهم، ومن أخرجه من الميثاق فيلزمه أن يأتي بدليل ولا دليل، إذاً: فلابد من القول: بأن هؤلاء قد خرجوا من صلب آدم، وأخذ الله عليهم العهد والميثاق، وحينئذ فلابد أن نقول: بأن هذا الولد سبق في علم الله أنه سيكون، وأن الله تعالى قدر له ذلك، وشاء له أن يخلق في بطن أمه من هذا الماء الهدر، ولما كان كل ذلك لابد أن نسأل أنفسنا: هل استطاع هذا الزاني أن يزني بتلك الزانية على غير مراد الله وعلى غير مشيئة الله، أم أن ذلك وقع بمشيئة الله؟ لا يستطيع أحد في الكون أن يتحرك حركة، أو إذا كان متحركاً أن يسكن سكنة إلا بمشيئة الله، سواء كان ذلك من أهل الطاعة أو من أهل المعصية، وهذه سنة التدافع الكونية القدرية في الكون بين الخير والشر.

وما كان يصلح أن يخلق الله عز وجل جميع الخلق مؤمنين، وما كان يصلح كذلك أن يخلق جميع الخلق كفاراً وملحدين، بل لابد أن يكون هناك إيمان وكفر، خير وشر، حق وباطل، حتى تقوم سنة التدافع بين الخلق، ولا تحلو الحياة إلا بهذا، وهذا أعظم ميدان وأفسحه لطلب الجنة، أي: أن يوجد مع الإيمان كفر، ومع الخير شر، ومع الحق باطل، حتى ترفع راية الجهاد فيؤخذ من يؤخذ من أهل الإيمان بناصيته إلى جنة عرضها السموات والأرض، إنه م