للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفطرة ليست بمعنى الإسلام عند أبي يعلى الحنبلي]

قال أبو يعلى الحنبلي: ليس الفطرة هنا الإسلام لوجهين: الأول: أن معنى الفطرة: ابتداء الخلق، كما قال الله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر:١]، ولم يقل أحد مطلقاً: إن فاطر السماوات والأرض بمعنى: جاعل السماوات والأرض مسلمة، بل إن (فاطر) بمعنى: مبتدئ وخالق، وإذا كانت الفطرة هي الابتداء وجب أن تكون تلك هي التي وقعت لأول الخليقة، وجرت في فطرة المعقول، وهو استخراجهم ذرية؛ لأن تلك حالة ابتدائهم، ولأنها لو كانت الفطرة الإسلام لوجب إذا ولد بين أبوين كافرين ألا يرثهما ولا يرثانه ما دام طفلاً؛ لأنه مسلم، كما أنه لا يجوز للمسلمين أن يفرطوا في هؤلاء الأطفال، ولا يمكنوا آباءهم من الصلاة عليهم على مذاهبهم الكافرة، ولا دفنهم في مدافن الكفار، ولا أن يمكنوهم من الميراث.

كذلك اختلاف الدين يمنع الإرث، ولوجب ألا يصح استرقاقه -وهذه شبهة عقلية جديدة- فإذا حارب المسلمون المشركين، فسبوا ذراريهم فمن حق أهل الإسلام أن يسترقوهم.

فهو يريد القول: إذا كانت الذرية -أي: أبناء المشركين مسلمين- وقامت الحرب بين المسلمين والكافرين، وسبى المسلمون هؤلاء الذراري فلم يسترقوهم مع أنهم مسلمون؟ فالأصل أن المسلم لا يقع تحت الرق إلا إذا كان أسيراً لدى الكفار، أما الذي يقع تحت الرق عند المسلمين فهم الكفار كذلك، وأما من أسلم فإسلامه هو ثمن حريته، فإذا كان الأطفال وذراري المشركين مسلمين أصلاً؛ فكيف استرقهم المسلمون في القرون الخيرية؟ فالواجب ألا يصح استرقاقه، ولا يحكم بإسلامه بإسلام أبيه؛ لأنه مسلم.