للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تكفير السلف ولعنهم للقدرية الأولى]

[وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: ما كان كفر بعد نبوة إلا كان مفتاحه التكذيب بالقدر]، يعني: أن التكذيب بالقدر رأس الشر، وناقض لرسالات الرسل، ونبوة الأنبياء، وما كان كفراً بعد نبوة إلا بدأ بالتكذيب بالقدر.

[وعن محمد بن يزيد الرحبي قال: قلت لـ نافع مولى ابن عمر: إن قبلنا -أي: ناحيتنا- قوماً يقولون: إن الله عز وجل لم يقدر الذنوب على أهلها، والناس مخيرون بين الخير والشر، قال: أولئك قوم كفروا بعد إيمانهم].

أي: الذي يقول هذه المقولة يكفر بعد إيمانه.

[وعن نافع قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر فقال: ناس يتكلمون بالقدر؟ فقال: أولئك القدريون، وأولئك يصيرون إلى أن يكونوا مجوس هذه الأمة].

وهم الذين يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، أي: أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها.

وهؤلاء القدرية أناس بلغوا في العلم مبلغاً وشأناً عظيماً جداً، والذين تكلموا في القدر كـ معبد الجهني، وكذلك الجهم بن صفوان من الجهمية وغير واحد من أعلام أهل البدع كانوا في غاية العلم والذكاء والفطنة ولم يكونوا جهالاً، وفرق كبير جداً بين العلم والهداية، ولذلك فالعلماء يقولون: العلم علمان: علم بالله، وعلم بأحكام الله عز وجل، فالعلم بالله على رأسه مخافة الله عز وجل، وإجلال الله تبارك وتعالى وعبادة الله تبارك وتعالى، بذل وإخبات وخضوع وخشوع، فهذا هو العلم الذي ينتفع به صاحبه يوم القيامة.

وأما العلم الثاني: فهو العلم بالأحكام الشرعية، وبالحلال والحرام، فمن أهل هذا العلم من جمعوا إلى علمهم العلم الأول، فهؤلاء هم الذين قال الله تعالى عنهم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣]، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨]، أما عالم بالحلال والحرام يلوي بالحرام لسانه حتى يجعله حلالاً، ويلوي بالحلال لسانه حتى يجعله حراماً، فإذا كان التوجه العام والسياسة العامة تريد تحريم هذا الشيء فيذهبون ويأتون بأدلة باطلة وموضوعة وغير ذلك لإثبات أن هذا الشيء على هوى السائل، وإذا كان العكس فبالعكس كذلك، كما سئل أحدهم وكان قد سأله كافر فقال: أليس نبيكم قد حرم مصافحة النساء؟ وقد رأيناك تصافح النساء بنفسك، وبعض الناس منكم يقول: إن النبي لم يصافح النساء في بيعة كذا، قال: مصافحة النساء حلال، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء؛ لأنه كان قادماً من سفر متعباً فاعتذر عن مصافحة النساء! أنا أظن أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون قد خطر على بال إبليس، فهذا المفتي ليس له حظ ولا نصيب إلا النار إن لم يتب؛ لأنه يقول على النبي عليه الصلاة والسلام ما لم يقله، ويتأول النصوص الشرعية على غير مراد الله عز وجل، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليضل الناس بما عنده من علم، وهو يعلم أن ذلك حرام، ولو طلب منه وكان التوجه العام إثبات حرمة مصافحة النساء، ووجوب لبس النقاب؛ لأتى بأدلة هائلة لإثبات هذا؛ لأنه غاب عنه أن يرضي الله عز وجل، وإنما أتى بمهمة عظيمة وهي إرضاء التوجه العام في البلاد الإسلامية، فأنا لا أدري كيف يبيع المرء دينه بعرض من الدنيا قليل لا ينفعه، فهو لا يأكل إلا كما كان يأكل، ولا يلبس إلا كما كان يلبس، ولا ينام إلا كما ينام، وسيترك هذا كله ولا يخرج من دينه ودنياه إلا بالخسران والبوار، فكيف يقدم على ذلك رجل عنده مسكة من عقل، ثم هو قد بلغ من العمر أرذله، فإذا كان يخشى سجن أو تعذيب فإنه ليس من أهل السجن ولا من أهل التعذيب، والناس عندهم نظر لهذا السن، ولا يسمح بذلك، وأقصى ما يقال فيه: إنك قد بلغت السن القانوني فاخرج لا نريدك، وقد قيل لسابقه هذا القول، فعجيب جداً أن يبيع المرء دينه بفتات من فتات الدنيا، فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تثبتنا على إيماننا.

[وعن نافع عن ابن عمر قال: إن لكل أمة مجوساً، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر.

وعن عطاء بن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع في زمزم -يعني: يأخذ منه بالدلو- قد ابتلت أسافل ثيابه -يعني: أطراف ثيابه من أسفل- فقلت له: قد تكلم في القدر، فقال ابن عباس: أوقد فعلوها؟! قلت: نعم، فقال: فو الله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٨ - ٤٩]، أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن أريتني أحداً منهم فقأت عينه بأصبعي هاتين]، يعني: إن أريتني واحداً منهم سأفقأ عينيه ولا دية له ولا يقاد مني في ذلك.

[وعن عكرمة بن عمار اليمامي قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يلعن القدرية.

وق