للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر عمر بن الخطاب في إثبات قدر الله والرد على جاثليق النصارى في إنكاره إضلال الله لمن يشاء]

وأما عمر رضي الله عنه: فقد جاء [عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية -يعني: في الشام- فحمد الله وأثنى عليه، فلما أتى على قوله: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له -يعني: من كتب الله تعالى له الهداية في الأزل فلا يمكن أن يضل، ومن أضله الله في الأزل فلا يمكن أن يهتدي- فلما قال ذلك عمر والجاثليق بين يديه -وهو زعيم من زعماء النصارى- قال بقميصه فنفضه وقال: بركست بركست -يتكلم بكلام عبري- فقال عمر: ما يقول عدو الله؟ فقالوا: لم يقل شيئاً يا أمير المؤمنين! دعك منه وواصل كلامك، ثم أعادها فتشهد فقال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فقال الجاثليق بقميصه فنفضه]، يريد أن يقول: إن هذا كلام غلط.

وهذا كما جاء عن الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما عندما كانوا يذكرون راوياً منكر الحديث أو كذاباً أو وضاعاً بين يدي أحدهم فإنه يقوم ينفض ثيابه ويترك المجلس وينصرف ولم يقل شيئاً، وهذا الفعل أعظم مما لو قال: كذاب أو وضاع.

فهذا الجاثليق لما قال عمر: من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، نفض ثيابه وقال: بركست بركست.

قال: [فقال عمر: ما يقول عدو الله؟ قالوا: يا أمير المؤمنين يزعم أن الله عز وجل يهدي ولا يضل -يعني: يخلق الخير ولا يخلق الشر- فقال عمر: كذبت يا عدو الله! بل الله عز وجل خلقك، وهو أضلك، وهو يدخلك النار إن شاء الله].

فلم يقل واحد من المسلمين: يا أمير المؤمنين أنت زدت فيها، كان المفروض أن تتلطف مع هذا الرجل النصراني لعل الله أن يهديه، فهل نحن نخفي الحق من أجل هداية فلان أو فلان؟! قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩]، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وأما من ذهب منا إليهم فأبعده الله) أي: لا نريده، أما أنك تخفي الحق من أجل فلان أو علان فليس هذا منهجاً للسلف أبداً، فلا بد من قول الحق.

فقال: [كذبت يا عدو الله! بل الله عز وجل خلقك، وهو أضلك، وهو يدخلك النار إن شاء الله]، فاستثنى وذكر المشيئة لأنه ربما يهتدي ويتوب.

ثم قال: [والله لولا لوث عهد لك -أي: لولا عهد بينا وبينك- لضربت عنقك، إن الله عز وجل لما خلق آدم عليه السلام نثر ذريته في يده، فكتب أهل الجنة وأعمالهم، وأهل النار وأعمالهم، وقال: هذه لهذه -أي: لأهل الجنة- وهذه لهذه -أي: لأهل النار- فتفرق الناس يومئذ وهم لا يختلفون في القدر]، أي: فتفرق الناس في يوم أن قال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

[وعن عبد الله بن الحارث قال: خطب عمر بن الخطاب بالجابية فحمد الله وأثنى عليه، وعنده جاثليق يترجم له ما يقول، فقال: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، قال: فنفض جبته كالمنكر لما يقول عمر، فقال عمر رضي الله عنه: ما يقول هذا؟ قال ذلك ثلاث مرات، قالوا: يا أمير المؤمنين! يزعم أن الله عز وجل لا يضل أحداً، قال عمر: كذبت يا عدو الله! بل الله خلقك، وقد أضلك، ثم يدخلك النار إن شاء الله، أما والله لولا لوث من عهد لك لضربت عنقك، إن الله عز وجل خلق أهل الجنة وما هم عاملون -أي: من خير- وخلق أهل النار وما هم عاملون -أي: من شر-].

إذاً: فخالق الخير والشر هو الله عز وجل، لكنه لا يحب الشر ولا يرضى به، ويأذن في وجوده؛ لأنه لا يكون في ملك الله إلا ما أراد الله.

فقال: [هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه، قال: فتفرق الناس وما يختلفون في القدر].