للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم العادة السرية]

السؤال

أنا شاب عندي تسعة عشر عاماً؛ أفعل العادة السرية، كيف أمتنع من هذه العادة؟ وكيف أحافظ على الصلاة وأترك المعاصي؟

الجواب

العادة السرية محرمة في أرجح أقوال أهل العلم، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، فقد اعتمد في ذلك على قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:٥ - ٧]، فهذا اعتداء على أعضاء الإنسان بما لم يجزه الشرع؛ لأن الشرع ما أجاز هذا إلا في إتيان الزوجة أو في إتيان ملك اليمين، وما فوق ذلك فهو حرام.

وأما ما جاء عن عبد الله بن عباس وابن عمر أنهما سئلا عن ذلك فأجازاه في رواية، ومنعاه في أخرى، فالجواز والمنع متعلق بالضرورة، ولذلك سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أيجلد أحدنا عضوه في الجهاد؟ وذكر الجهاد لأن النساء لا يخرجن إلى الجهاد؛ فيكون في ذلك شيء من العنت والمشقة، وربما أوقع الإنسان في حرج، أو ربما طلب الإنسان العودة إلى أهله وترك الجهاد؛ فأذن في ذلك ابن عباس، كما أذن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في أن يجلد الإنسان عميرة، هكذا سماه.

قالوا: يا أبا عبد الرحمن! أيكون أحدنا في الفتنة -أي: تعرض عليه فتنة النساء- فإما أن يزني وإما أن يجلد؟ قال: أجلد عميرة؟ قالوا: نعم، قال: اجلد عميرة.

ولكن لو أنك نظرت إلى أصل المسألة: إما أن يزني، وإما أن يستمني؛ فحينئذ على قاعدة ارتكاب أخف الضررين الاستمناء أرحم بكثير، ولا مقارنة بينه وبين الزنا، فلو أن المرء فعل ذلك فانطفأت نار شهوته، وابتعد عن الزنا؛ لكان ذلك أولى، وليس هذا يعني أن الاستمناء حلال أو جائز، هو جائز إذا كان هناك خروج من مأزق شرعي خطير كارتكاب كبيرة الزنا، وأما في الأصل فالأصل أنه حرام.

ويستعين الإنسان على ذلك بأنه لا ينظر في المجلات المتخصصة في هذا البلاء المجلات التي تعرض الصور العارية، وهذه المجلات أمثال الصحف القومية الآن، فمثلها مثل أي مجلة جنسية، ومن ذلك تلك المجلات التي تزعم أنها مجلات إسلامية، فقد عرضت كثير من المجلات الشرعية والإسلامية بعض الصور لفاتنات وغير ذلك تحت باب الدعاية والإعلان وغير ذلك، فهذا بلا شك بلاء عظيم جداً أوشك أن يدخل إلى تلك الجرائد والصحف الإسلامية، فنسأل الله العافية والسلامة.

فحينئذ يستعين المرء على ترك هذه العادة بألا ينظر في هذه الصور والمجلات والجرائد مطلقاً؛ لأنها تؤدي به إلى المحظور الشرعي، ومجرد النظر إلى هذه الصور محظور شرعي، بل إن ابن القيم عليه رحمة الله ما ألف كتابه العظيم: (الداء والدواء) أو (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) إلا لبيان أمراض القلوب خاصة عشق الصور.

وإخواننا -الله يغفر لهم- في بلاد أوربا وأمريكا مفتونون بالصور، فالمجلات القبيحة تلقى إليهم على أبواب العمارات وأبواب الشقق حتى صار الوضع عندهم مألوفاً جداً، وأنا أستغرب جداً أن تصير المعصية مألوفة، ففي إحدى الزيارات للإخوة في مدينة شيكاغو وجدت بعض الإخوة أتوا بمجلة جنسية، وفي الغالب لا يوضع عليها دبابيس، وصاروا يفرشون سفرة الطعام بهذه المجلة، وفيها صور لا يمكن النظر إليها، فقلت لهم: ماذا تفعلون؟! فلما ألفوا ذلك قالوا: أنت زعلان من هذه الصور! قلت: هذا شيء مقبول عندكم أم ماذا؟ قالوا: نحن متأسفون، فهم ناسون تماماً احترام شعور الضيوف، قالوا: لو قعدت هنا سنة أو سنتين فستألف هذا الوضع ويكون طبيعياً جداً.

ثم قام واحد منهم وشقق الستارة وقال: تعال انظر إلى هذه الصور صورناهم وهم يمشون في الشوارع، فقلت: والله ليس لكم إلا الهجرة من هذه البلاد، وهم في الحقيقة يقبلون كل شيء إلا أن تأمر أحدهم بأن يترك البلاد إلى بلاد الإسلام، ومهما كان في بلاد الإسلام من بلاء وفتن فيبقى فيها الرحمة، وتبقى فيها شعائر الإسلام قائمة، وهذا يكفيك، فأنت لما تروح دولة مثل أمريكا تقعد عشر سنين لا تسمع أذاناً، فماذا سيكون حال قلبك لما تقعد عشر سنين لا تصلي جمعة ولا غير جمعة؟ لأنك ذهبت إلى مدن ليس فيها مساجد، ولا حتى شقة يجتمع فيها المسلمون نهائياً، فقلت لهم: كيف تصلون صلاة الجمعة؟ قالوا: نحن لا نصلي الجمعة، وكل واحد يصلي في بيته، ويكون يوم المنى لما يجتمعون على الغداء يوم السبت يوم الإجازة أو الأحد في بيت أحدهم، فتجتمع ثلاث أو أربع أسر فتصير هذه فرحة ما بعدها فرحة، وأما هذا الاجتماع الذي نحن مجتمعين فيه هذا الوقت لو اجتمعوه هناك يمكن ألا يتمالكوا أنفسهم من الفرحة، فالحمد لله نحن في نعمة عظيمة جداً والله.