للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير عمر بن عبد العزيز من القدرية والتفريق بين دعاتهم وعامتهم]

قال: [وقال عمر بن عبد العزيز: لا تغزوا مع القدرية؛ فإنهم لا ينصرون].

أي: أن القدرية إذا دخلوا في قتال لا ينصرهم الله عز وجل؛ لأنهم أعداؤه، وهم مجوس هذه الأمة كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.

وهذا يدل على أن تقوى الله عز وجل، والتزام السنة، واتباع الأنبياء وأتباع الأنبياء، عليها مدار النصر، وهم الذين يكتب لهم الغلبة والنصر، وأما أهل البدع والزندقة والإلحاد فإنهم لا ينصرون، وإن نُصروا لا يثبتون على هذا النصر؛ فسرعان ما ينحدر؛ لأنه لا أساس لهم يركنون إليه، ولا قاعدة متينة سليمة يستندون إليها.

قال: [قيل لـ عمر بن عبد العزيز: إن قوماً ينكرون من القدر شيئاً، فقال عمر: بينوا لهم وارفقوا بهم حتى يرجعوا].

أي: أن الأصل في الدعوة أولاً: البيان والرفق؛ حتى يرجعوا عن مقالتهم السوء.

قال: [فقال قائل: هيهات هيهات يا أمير المؤمنين! لقد اتخذوه ديناً يدعون إليه الناس، ففزع لها عمر، فقال: أولئك أهل أن تسل ألسنتهم من أقفيتهم -أي: آن أن يقتلوا- هل طار ذباب بين السماء والأرض إلا بمقدار؟!].

وهنا ملحظ عظيم جداً في هذا النص لأمير المؤمنين رضي الله عنه، وذلك لما قيل له: إن قوماً ينكرون شيئاً من القدر، قال: ادعوهم وبينوا لهم حتى يرجعوا عن هذه المقالة، قال قائل: يا أمير المؤمنين! هيهات، أي: هذا شيء بعيد جداً؛ لأنهم قد اتخذوا هذه النحلة ديناً وصاروا يدعون إليها الناس، فانتقل الأمر من الشبهة المجردة في قلوبهم إلى العقيدة الراسخة التي صارت ديناً، وخروجاً على جماعة المسلمين، فذكر أن الأمر هنا يختلف.

لذلك فأهل السنة والجماعة دائماً في كل بدعة من البدع يفرقون بين دعاة البدعة وبين أتباع البدعة، فدعاة البدعة غالباً ما نجد أن أهل السنة والجماعة يكفرون الغلاة فيهم، كما كفر علماء العصر بالإجماع خميني إيران، ولا أعلم أحداً من أهل العلم المعتبرين تأخر عن تكفيره للخميني، وقد صنفت في ذلك رسائل، وسجلت في هذا التكفير أشرطة لأهل العلم: كالشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، واللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد في السعودية، فقد أصدرت بالإجماع فتوى بتكفير الخميني، وحيثيات التكفير كثيرة جداً، وليس هذا مكانها.

وهؤلاء الذين كفروا الخميني لم يكفروا الشعب الإيراني، ولذلك لو قرأت في (سير أعلام النبلاء) في ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وفي ترجمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لوجدت كلاماً رائعاً جداً للإمام الذهبي.

فقال: ما ذنب أناس ولدوا في الشام، ورضعوا حب معاوية؟! ومعلوم أن الذي رضع حب معاوية لابد أن يسب علياً، والذي نشأ في الكوفة ورضع حب علي وحب آل البيت يدفع الثمن بلعن وسب معاوية.

يقول: ما ذنب هؤلاء، فهم قوم نشئوا هكذا، فما وجدوا مقالة أخرى، وإنما نشئوا لم يسمعوا إلا شيئاً واحداً، وهو تفضيل علي على معاوية، أو في الشام تفضيل معاوية على علي.

يقول: ما ذنب هؤلاء إلا أن يتخصصوا في العلم ويطلبوا ذلك هنا وهناك، ويتبين لهم الحق فيصروا على ما هم عليه، ثم يصل بهم الأمر إلى مرحلة التنظير لهذا المذهب الباطل، والتنظير يعني: أن يكون هناك عالم متفنن في بدعته، فحيئذ لابد أنه قد قامت عليه الحجة؛ لأنه قد نظر في كتب الخصم فعلم الحق، لكنه أصر على بدعته، فحينئذ يكفر بهذا، وأما أتباع أهل البدع ورعاع أهل البدع فإنهم لا يكفرون.