للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث أبي هريرة: (من ترك الطاعة وفارق الجماعة)]

[وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك الطاعة وفارق الجماعة ثم مات فقد مات ميتة جاهلية)].

فقوله: (من ترك الطاعة) أي: طاعة الإمام والأمير والسلطان.

وقوله: (وفارق الجماعة) أي: جماعة أهل السنة، فمات على هذه الحال فميتته حينئذ ميتة جاهلية؛ لأن أهل الجاهلية لا إمام لهم ولا أمير ولا سلطان، بل كل إنسان منهم إلهه هواه، وأما المسلم في داخل الجماعة فإنما يأتمر بأمر الأمير وينتهي عما نهاه عنه الأمير والسلطان والخليفة، فالذي ينشق عن الإمام ويخالفه ويشق عصا الطاعة ثم يموت وهذه حالته، فإنما يشبه موتته بموت رجل من أهل الجاهلية.

وهذا الحديث روي بطرق متعددة وبأسانيد مختلفة، منها ما رواه [أبو هريرة نفسه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات على ذلك فميتته جاهلية)].

وفي رواية عنه [قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من اعترض أمتي لا يحتشم من برها ولا فاجرها، ولا يفي لذي عهدها، فليس مني، ومن خالف الطاعة، وفارق الجماعة فمات، فميتته جاهلية، ومن قتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية، أو يغضب للعصبية، فمات فميتته جاهلية)].

وهذا الحديث حديث صحيح، وهو عظيم جداً، وقد اشتمل على جملة من الفوائد والأحكام.

أولها: قوله: (من اعترض أمتي لا يحتشم من برها ولا فاجرها)، أي: من خرج على جماعة المسلمين لا يرعى فيهم إلاً ولا ذمة، ولا يميز بين البر والفاجر، وإنما خرج عليهم جميعاً بالقتال والسلب، أو شق عصا الطاعة، أو فارق جماعتهم.

وقوله (لا يحتشم) بمعنى: لا يستحي ولا يألو جهداً في الخروج عليهم ومخالفتهم بشتى أنواع المخالفة.

وقوله: (ولا يفي لذي عهد بعهده)، يعني: لا يعبأ بالمواثيق والعهود التي أبرمها مع آحاد هذه الجماعة، فهو لا يفي بالعهد، ولا يستريح لإمامه، ولا يفي له.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليس مني)، أي: من فعل ذلك فليس مني.

وربما فهم بعض الناس كما فهم الخوارج من قبل أن قول النبي عليه الصلاة والسلام في أي حديث (ليس مني من فعل كذا) أي: أنه ليس من المؤمنين حقاً، بل إنه بذلك قد خرج عن حد الإسلام ودخل في حد الكفر، وليس الأمر كذلك إلا في حالة واحدة، وهي إذا استحل ذلك وقامت الحجة عليه بحرمة النفس، يعني: قامت عليه الحجة بحرمة قتل المسلم وإهراق دمه فقال: بل هو حلال الدم، فمن فعل ذلك فهو كافر خارج عن حد الإسلام، وداخل في حد الكفر، وأما من قاتل فقتل أو قتل، أو من أراق دم أخيه المؤمن أو المسلم غير مستحل لذلك؛ فهذا من أكبر الكبائر، فقتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر، ولكنها لا تخلد فاعلها في النار؛ لأنها كبيرة، فإن تاب منها قبل أن ينالوا منه يلزمه دفع الدية، وإلا فالأصل في القتل العمد القصاص، والقتل الخطأ فيه الدية، وديته على العاقلة، أي: على عشيرته وقبيلته لا عليه هو.

فقول النبي عليه الصلاة والسلام هنا: (من اعترض أمتي لا يتحاشى برها ولا فاجرها، ولا يفي لذي عهد بعهده فليس مني) أي: ليس من أخلاقنا ولا عاداتنا وسلوكنا، وإنما شريعتنا تخالف ذلك وتنهى عنه وتحذر منه، وتعد عليه بالنار في الآخرة، أو بإقامة الحد في الدنيا.

فقوله: (ليس مني من فعل كذا) أي: ليس من هدينا ولا من طريقتنا، ولا يحمل على ظاهره إلا في حالة الاستحلال بعد قيام الحجة عليه، وأما غير ذلك فلا، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقد نقله غير واحد، وقد بلغ نقلته المئات، ومن قال بغير ذلك فقد قال وتفوه بغير سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: (ومن خالف الطاعة) يعني: أتى بالمعصية.

(وفارق الجماعة) أي: صار وحده، أو تحيز وتميز هو ومن معه لمجادلة الجماعة الكبرى، أي: جماعة الإمام، فهذا يسمى محايداً، ولم يخرج على الإمام على مر التاريخ طوله وعرضه إلا الخوارج.