للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المعتزلة]

أما الدرجة الثانية من درجات الجهمية: فهم المعتزلة، وهم الذين تبنوا مذهب الجهمية أو شيئاً منه؛ ولذلك ربما تجد في الشخص الواحد متناقضات وأضداداً في عقيدته لا تدري كيف كان ذلك منه! ولكن ربما لانحرافه عن طريق السلف عاقبه الله عز وجل بأن جعل في عقله الأضداد، حتى يحيره في حياته، وقد شاهدنا في هذا الزمان كثيراً من أهل العلم لا نظر له في الكتب ولا يحسن أن يفتح الكتب فضلاً عن أن يفهم ما فيها، قد شاهدناه يقرأ في الباب الواحد كلاماً للمعتزلة، فإذا أعجبه قصه من الكتاب وألصقه في كتاب آخر يريد إخراجه، فإذا قرأ في نفس الباب كلاماً للجهمية أعجبه وضعه تحت الكلام الأول، وللخوارج تحت الكلام الأول، وللمرجئة تحت الكلام الأول، فيجمع في مسألة واحدة بين عدة عقائد، إلا عقيدة أهل السنة والجماعة.

وللأسف الشديد بعض هذه الكتب يدرس الآن في بعض معاهد إعداد الدعاة هنا وهناك.

فالمعتزلة فرقة لا علاقة لهم في الأصل بالجهمية؛ إذ إن المعتزلة فرقة أسسها واصل بن عطاء المعتزل البصري في زمن الإمام الحسن البصري، وقصة الاعتزال معروفة، وتاريخ واصل معروف، وربما لو تسنى لنا دراسة مذهب المعتزلة لتعرفنا عليه أكثر من ذلك.

والجهمية كما علمتم من المحاضرتين السابقتين لهم مؤسس ولهم أصول ثابتة يتكئون عليها، ولهم إنكارات ونفي للأسماء والصفات، فهم يعتمدون في أصل دعوتهم على خمسة أسس، فحينئذ مذهب المعتزلة في أصله له أصول يتكئ عليها، وينافح عنها، هذه الأصول -وإن كانت في الظاهر أصول الجهمية- تخالف الجهمية.