للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكفارة المترتبة على من حنث في حلفه بكتاب الله دليل على أنه كلام الله]

قال ابن بطة: [أوليس قد أوجب عبد الله بن مسعود رحمه الله على من حلف بالقرآن بكل آية كفارة؟ فهل يجب على من حلف بمخلوق كفارة؟] إنما كفارته أن يقول: لا إله إلا الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله).

فقد أوجب ابن مسعود على من حلف بكتاب الله عز وجل في كل آية كفارة؛ لأنه يمين مشروع، والكفارة تترتب على اليمين المشروع دون اليمين الممنوع، إذ إن اليمين الممنوع يحتاج إلى توبة، كما لو حلف إنسان بالكعبة أو بأبيه أو بتربة جده أو بـ الحسن أو البدوي فإنما يلزمه أن يتوب إلى الله عز وجل؛ لأن هذا شرك، لكن لو أن إنساناً حلف بالله فحنث فعليه الكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فحينئذ الكفارة تترتب على اليمين المشروع دون اليمين الممنوع، فإن اليمين الممنوع يحتاج إلى توبة؛ ولذلك أوجب ابن مسعود على من حلف على كتاب الله عز وجل وحنث بكل آية كفارة، انظروا إلى خطورة الأمر، وفي هذا إثبات مشروعية الحلف بكتاب الله عز وجل، لا على أنه كتاب، وإنما على أنه كلام الله، وأنه صفة من صفاته؛ لأن اليمين المشروعة تكون بالله وأسمائه وصفاته، فلك أن تحلف بقدرة الله وعزة الله وجلال الله وعظمة الله، وغير ذلك من سائر صفات الله عز وجل فهو يمين عظيم منعقد، ولكن من حلف بكتاب الله عز وجل فقد أوجب ابن مسعود عليه في وقت الحنث بكل آية كفارة إما أن يطعم (١٠) مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة، فإن لم يجد شيئاً من ذلك أطعم عن كل آية (١٠) مساكين.

عد كم آية في كتاب الله عز وجل؟ (٦٢٣٦) إذاً: (٦٢٣٦) × (١٠) مساكين، فالحانث يحتاج إلى وزارة شئون اجتماعية كاملة تقف بجواره لأداء هذه الكفارات؛ وذلك لأنه حلف يميناً منعقدة مشروعة على كتاب الله الذي هو كلام الله، والذي هو صفة من صفات الله عز وجل، وهذه اليمين مشروعة، أما لو كان صادقاً فإنه لا كفارة عليه، ولا حنث عليه؛ لأنه صادق فيما حلف عليه.

قال: [عن عبد الله بن مرة عن أبي كنف عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلاً يحلف بسورة البقرة فقال: أما إن عليه بكل آية منها يميناً].

يعني: قد حلف (٢٨٦) يميناً؛ لأنه حلف بسورة البقرة فقط، وهي: (٢٨٦) آية، قال: عليه (٢٨٦) كفارة إذا كان حانثاً في هذا اليمين، وإذا لم يكن حانثاً فلا شيء عليه.

وقد أورده كذلك الإمام اللالكائي في كتاب أصول الاعتقاد من طريق حنظلة بن خويلد العنزي قال: أخذ عبد الله بن مسعود بيدي فلما أشرفنا على السدة -أي: وصلنا إلى الباب- إذ نظر إلى السوق فقال: اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل هذا السؤال إذا نزل قرية، قال: (اللهم إنا نسألك خير هذه القرية وخير ما فيها ومن فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها ومن فيها).

وكذلك قد ثبت في السنة: أن شر البقاع الأسواق، وخير البقاع المساجد.

قال ابن مسعود لما أشرف على باب السوق: اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، قال: فمر برجل يحلف بسورة من القرآن، فقال ابن مسعود: أما إن عليه بكل آية منها يميناً.

قال: [عن الحسن -وهو من مراسيل الحسن - قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بسورة من القرآن فبكل آية منها يمين)]، ولا شك أن مراسيل الحسن ضعيفة، لكن عمل بمقتضى هذا النص سلف الأمة ومنهم عبد الله بن مسعود، ولم يعلم له مخالف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وروي كذلك عن مجاهد مرفوعاً كما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، ثم قال البيهقي: هذا الحديث إنما روي من وجهين جميعاً مرسلاً: عن مجاهد وعن الحسن.

وروي عن ثابت بن الضحاك موصولاً مرفوعاً، لكن في إسناده ضعف، ثم ذكر حديث ابن مسعود السابق لهذا، ثم قال: فقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع الحديث المرسل فيه دليل على أن الحلف بالقرآن يكون يميناً في الجملة، ثم التغليظ في الكفارة متروك بالإجماع.

[عن إبراهيم وهو - النخعي - أنه كان يقول: من حلف بسورة من القرآن فبكل آية يمين].

وهذا قد سبق.

وقول إبراهيم قد رواه كذلك موقوفاً عن ابن مسعود: من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع.

والحرف إما أنه بمعنى الآية من القرآن الكريم، أو بمعنى: طريقة النزول؛ لأن القرآن نزل على سبعة أحرف، فمن كفر بحرف منه فكأنما كفر بجميع الأحرف، أي: بالقرآن، وقد جاء من طرق متعددة مو