للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث العرباض بن سارية: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)]

[قال عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي: أتينا العرباض بن سارية رضي الله عنه، وكان من الذين أنزل الله فيهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة:٩٢] يعني: كان رجلاً فقيراً، ولكنه كان محباً للجهاد.

فكان يذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليحمله، -أي: ليجهزه للقتال- فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا أجد ما أحملكم عليه، اذهبوا إلى فلان لعله يحملكم، فيذهبون إليه فيحملهم، ثم يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيقولون له: قد حملنا فلان، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله).

قالا: [فدخلنا فسلمنا عليه فقلنا: أتيناك زائرين وعائدين]؛ لأنه كان مريضاً، [ومقتبسين] أي: متعلمين العلم، [فقال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا) أي: بوجهه، وهذا من السنة لمن صلى إماماً بقوم أن يقبل عليهم بوجهه، ويستدبر القبلة.

[قال: (ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون -أي: دمعت دمعاً شديداً- ووجلت -أي: خشعت- منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع)] هذه الموعظة ليست على منوال المواعظ السابقة.

[قال: (فكأنها موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ -ماذا تأمرنا وتوصينا؟ - فقال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً)]، وهذا مثال وإن كان محالاً إلا أنه ضربه للزوم الطاعة إن تولى الإمام، فقوله عليه الصلاة والسلام: (الأئمة -أي: الخلفاء- من قريش) معناه: أنه لا يجوز أن يتولى أمر المسلمين خليفة ليس قرشياً، وإذا دعت الضرورة إلى أن يتولى غير الإمام أمر المسلمين فلابد أن يكون حراً، لا أن يكون عبداً فضلاً عن عبد حبشي مجدع الأطراف، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: حتى وإن تولى عليكم عبد حبشي مع أنه محال، لكن إن تولى عليكم فاسمعوا له وأطيعوا، أو ربما يكون الإمام الذي بمعنى الخليفة هو الذي عين الوالي والأمير على مصر من الأمصار وكان عبداً.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: [(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً) يعني: فتناً كثيرة وقتلاً وهرجاً، وبعد أن وصف الداء وصف عليه الصلاة والسلام الدواء، فقال: [(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)]، هذا أحد شقي العبادة، إذا ظهرت الفتن: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء) أي: تمسكوا بهديي وهدي الخلفاء الراشدين الذين هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رغم أنف الرافضة ورغم أنف الشيعة، وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم خلفاء راشدون مهديون، وأمرنا بالتمسك بسنتهم، وقد انعقد الإجماع على أن الخلفاء الراشدين إذا أجمعوا على مسألة أو على أمر من أمور الشرع فإجماعهم حجة كقال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

قال: [(وإياكم ومحدثات الأمور -أي: البدع في الدين- فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)].