للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث أبي هريرة (من دعا إلى هدى)]

[قال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)].

وهذا الحديث يساوي حديثه عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة -أي: في الإسلام-، فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).

يتصور بعض الناس أن البدعة الحسنة هي السنة الحسنة، وأن البدعة إذا كانت حسنة فلا بأس بالتمسك بها والعمل بها والدعوة إليها.

أقول: إذا كان هذا في أعمال الدنيا وليس في دين الله عز وجل فيا حبذا ونعمت البدعة؛ ولذلك هذه المخترعات والمحدثات التي حدثت في عمارة الكون، إنما هي ضريبة العقل التي فرضها الله عز وجل على عباده، أما بدعة الدين فإنها ضلالة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وكل بدعة ضلالة)، أي: وكل بدعة في الدين ضلالة، وليست حسنة، بل فيها الوزر لمن ابتدعها ولمن سار عليها وهو يعلم أنها بدعة، وأنها ليست من دين الله عز وجل.

ولذلك يحتجون بقوله: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها).

والحجة الثانية لهم قول عمر إن صح عنه: (نعمت البدعة).

لما جمع الناس على صلاة التراويح بعد أن أذن النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة أن يجتمعوا للصلاة في الليلة الأولى والثانية؛ فلما كثروا في الثالثة دخل بيته وتركهم، ثم استمر الحال على صلاة التراويح في البيوت في زمن أبي بكر وفي نهاية زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وردحاً من خلافة عمر، حتى جمعهم عمر على أبي بن كعب في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قيل له: إنها بدعة يا أمير المؤمنين! لم يفعلها قبلك أبو بكر الصديق.

قال: نعمت البدعة، واحتج بقوله: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، وهذا احتجاج صحيح وبعد نظر من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.

فإن مناسبة الحديث أن قوماً من مضر أتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام في مسجده جياعاً قد أثر فيهم الجوع فلما رآهم عليه الصلاة والسلام تغير وجهه؛ لِما رأى بهم من فقر وحاجة وجوع، فلمح النبي عليه الصلاة والسلام ولم يصرح حفاظاً على شعور القوم، فعرف أحد أصحابه في وجهه الغضب والتغير؛ فقام إلى بيته فأتى بما عنده من طعام وملبس وخبز، ووضعه على النطع -أي: على شيء مفروش- بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رأى الصحابة تهلل وجه النبي عليه الصلاة والسلام بصنيع صاحبهم قام كل منهم إلى بيته فأتى بما عنده، فوضعه في النطع وحملوه حتى كادت أيديهم أن تكل -أي: تعجز عن حمله- ويقول الراوي: بل قد كلت، أي: تعبت وعجزت عن حمل هذا النطع؛ لما اجتمع عليه من الطعام والشراب والملبس؛ فحينئذ قال النبي عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى أول من صنع ذلك: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة -أي: ابتدع فيه بدعة وهي سيئة- فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).

إذاً: هل هذا الرجل الذي قام أولاً وأتى بما لديه من طعام وشراب قد ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، أم أن أصل الصدقة قد جاء الحث عليها في الكتاب والسنة؟

الجواب

هذا الشخص لم يأت من عنده بشيء، وكذلك عمر احتج بهذا الحديث وقال: نعمت البدعة؛ لماذا؟ لأنه أحيا سنة كانت في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يأت هو بشيء من عنده، وإنما أحيا سنة موجودة في الإسلام على الحقيقة، (فمن سن في الإسلام): أي: من أحيا سنة في الإسلام جاءت في شرع الله عز وجل، فله أجر إحيائها، وأجر آثارها ومن تبعه فيها، ولا يتأثر أجر كل من تبعه، وفي هذا الحديث غنية.