للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح أثر علي بن أبي طالب في افتراق الأمة]

قال: [قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تقوم الساعة حتى تكون هذه الأمة على بضع وسبعين ملة، كلها في الهاوية وواحدة في الجنة].

وقوله: (كلها في الهاوية) أي: في النار، (إلا واحدة)، وهي الجماعة، وهم أهل السنة، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وهم من كانوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وهذا يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (إلا واحدة)، وهذا يدل على أن الحق واحد غير متعدد، خاصة في هذه الأمور العامة الكلية التي أجمع أهل العلم باستنادهم على ثبوتها من دين الله ضرورة، والتي لا يسع المسلم الجهل بها.

فمن قال من الناس -مثلاً- إن الله لم يفرض الصلوات الخمس، وإنما هما صلاتان في الصباح والمساء فقد كفر بذلك، ومن قال إن الله تعالى أمرنا أن نصلي إلى الكعبة، ونحن قد آمنا بالكعبة، ولكن لا أدري أهي التي في مكة أم أنها كعبة غيرها فقد كفر؛ لأن هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولا يصح لأحد أن يدعي أنه يجهل ذلك، كمن يقول: أنا أعلم أن الله فرض علي صيام شهر في السنة، وهو شهر رمضان، ولكن لا أدري هل نحن في شهر رمضان أم لا؟ فهذا نعجز أمامه أن نثبت له أننا في رمضان.

وإذا كانت الشمس ساطعة وقال: أنا مؤمن بأن الله تعالى خلق الشمس، وأنها تشرق من المشرق، وتغرب في المغرب، لكني لا أدري هل هذه الشمس هي التي خلقها أم غيرها؟ وهو يقول هذا الكلام في الظهر، فكيف نثبت له أن هذه شمس؟ لن نستطيع إثبات ذلك؛ لأنه فقد بصره وبصيرته، وعلى أم عمرو السلامة.

فلو أنه نازع في أصل أصيل لا ينازع فيه أجهل الجاهلين فإنه لا حجة له عليه، وهذا يدل على أن الفرقة الناجية واحدة، وأن الحق الذي تستند إليه، والأصل الذي تتمسك به، والذي به نجت من النار ودخلت الجنة، هو كذلك واحد، وهو كلام الله وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وإجماع أهل العلم.

فهم لا يجتهدون بعيداً عن القرآن والسنة وإجماع العلماء، ولا يتكلمون كلاماً من أهوائهم ثم يقولون: هذا كلامنا وهذا اجتهادنا، فالاجتهاد حتى يكون معتبراً مقبولاً لا بد أن يبنى على أصول صحيحة من كتاب الله ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا كيف نعرف أن هذا المجتهد أصاب أو أخطأ إلا برجوعه في اجتهاده إلى هذه الأصول الثلاثة، وموافقته الكتاب والسنة والإجماع، أو نعرف أنه أخطأ إلا بمخالفته للكتاب والسنة والإجماع.

فالخلاف نوعان: مذموم، واعتماده على الرأي.

وممدوح، واعتماده على المصادر الأصيلة في الإسلام، وهي الكتاب والسنة والإجماع.

فهذه الفرق فرق ضالة بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها ضالة، وأن ضلالها يؤهلها إلى الدخول في النار، ثم منهم المخلد، وهو الكافر، ومنهم غير المخلد، وهو الفاسق.

والخلود في لغة العرب يعني: المكث الطويل، والمجموعة المخالفة لما كان عليه السلف لا يمكن إطلاق الفرقة عليهم إلا إذا خالفوا في الأصول العامة والقواعد الكلية، وأما إذا خالفوا في فرع أو فرعين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، فلا يستحقون اسم الفرقة.

وقال بعض أهل العلم: إذا بالغوا في مخالفتهم للفروع استحقوا اسم الفرقة؛ لتهديمهم بهذه الفروع معالم الشريعة، ولهذا الكلام وزن، يعني: يمكن أن يكون مقبولاً، لكن الكلام الذي لا نزاع عليه أنه إذا وقعت المخالفة في الأصول العامة والفرائض الكلية وكانت علماً على هذه الطائفة، استحقوا أن يكونوا فرقة.