للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبب قول عمر: (لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك)

ثم قال: [فإن قلت: فإنه قال: لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك] أي: لقطعت رأسك، وهذا بلا شك قتل، وأنتم تعلمون أن القتل محرم، وأن المرء لا يزال في فسحة من دينه ما لم يسفك دماً حراماً، فلماذا عمر رضي الله عنه هم بذلك؟ ولما حجم عن قتله؟ هل لأنه ذو شعر؟ [أومن حلق رأسه يجب عليه ضرب العنق؟]

الجواب

لا، ولكن هذا كلام له مغزى وله أدلة سمعها عمر رضي الله عنه من النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [فإني أقول لك: من مثل هذا أتي الزائغون، وبمثل هذا بلي المنقرون، الذين قصرت هممهم، وضاقت أعطانهم عن فهم أقوال الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين، فلم يحسوا بموضع العجز من أنفسهم، فنسبوا النقص والتقصير إلى غيرهم].

وهذا موجود في كل زمان ومكان، تجد الواحد منا إذا عجز عن فهم نص نسب النقص إلى النص، وإذا عجز عن فهم فعل إمام من أئمة العلم والهدى والدين أو قوله سارع وبادر إلى الإنكار عليه، وذم قوله وفعله، بل ربما نسبه إلى الجهل، وتطاول عليه بما هو أبعد وأكثر من ذلك، وليس الأمر كذلك.

ثم قال: [وذلك أن عمر رضي الله عنه كان قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم أحداث الأسنان -أي: صغار السن- سفهاء الأحلام)].

يعني: يتصدرون الناس زعماً منهم أنهم ذوو أحلام، وذوو أسنان، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك.

ثم قال: [(يقولون من خير قول الناس)] يعني: يتكلمون بأحسن الكلام وأجمله.

ثم قال: [(يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)] أي: لا يؤمنون بالقرآن، وإلا لو آمنوا بكتاب الله عز وجل لآمنوا به كله محكمه ومتشابهه.

ثم قال: [(يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)] يعني: يخرجون من الإسلام بعد أن دخلوا فيه كما يخرج السهم من الرمية.

ثم قال: [(من لقيهم فليقتلهم؛ فإن في قتلهم أجراً عند الله)] فالذي حكم عليهم بالقتل هو النبي عليه الصلاة والسلام، قال: من لقي هؤلاء الذين ذكرت علامتهم فليقتلهم، ومن قتلهم فأجره على الله عز وجل.

قال رحمه الله: [وفي حديث آخر: قال عليه الصلاة والسلام: (طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه)].

(طوبى لمن قتلهم) لأنه من أعظم الجهاد، (وطوبى لمن قتلوه) لأنه جاهدهم، فتمكنوا منه فقتلوه، فهو عند الله شهيد.

[(قيل: يا رسول الله! ما علامتهم؟ قال: سيماهم التحليق)] يعني: هم يحلقون رءوسهم، وهذه علامة لهم.

ثم قال: [فلما سمع عمر رضي الله عنه مسائله -أي مسائل صبيغ - فيما لا يعنيه كشف رأسه] أي: كشف عمر رأس صبيغ؛ ليهتدي عمر أهو من الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بتلك العلامات: أنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، سيماهم حلق الرءوس.

فقوله: صلى الله عليه وسلم: (سيماهم التحليق) هذه هي العلامة الوحيدة الظاهرة، أي: أمارتهم بين الناس أنهم يحافظون على حلق رءوسهم بالموسى.

فلما جيء بـ صبيغ بين يدي عمر، وكان يسأل عن متشابه القرآن، قال عمر: لعله ممن حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام منهم، وبين لنا أماراتهم وعلاماتهم، فلما ضربه كشف عن رأسه، فلو وجده محلوق الرأس لقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى لمن قتلهم)، ولو قتله عمر فإنه يكون مأجوراً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن في قتلهم أجراً عند الله عز وجل)، لكنه رأى أنه لم يكن ممن وصف النبي عليه الصلاة والسلام.