للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحذير أبناء الصحوة من الاهتمام بالمتشابهات]

اعلم أن الصحوة الإسلامية فيها مئات من مثل صبيغ، ولذلك هذا الكلام إن لم نستفد منه فلا قيمة له إذاً، فكثير من أبناء الصحوة يسألون ويلحفون في المسألة، وهذه المسألة الجهل بها لا يضر، والعلم بها لا ينفع، وإذا سألته في أصول دينه علماً وعملاً ستجده صفر اليدين، وإنما أدخل نفسه في مسألة لا تعنيه، وهذا كمن أراد أن يقفز النهر قفزة واحدة فسقط فيه، أو من أراد أن يقفز من الأرض إلى السطح فوقع على أم رأسه، فاندك في الأرض فمات؛ لأنه رام شيئاً وسلك له سبيلاً غير السبيل المستقيم، وأما سبيل طلاب العلم فإنهم يصلون إلى العلم شيئاً فشيئاً، حتى يصلوا في نهاية المطاف إلى دراسة المتشابهات بعد الإيمان بها، حتى يردوا ويذبوا عن دين الله عز وجل.

وأما أن يأتي إنسان في أول الطريق فيسأل عن المتشابه ولا علم له بالمحكم، فمن يكون هذا؟ أو يأتي طالب علم مبتدئ فيسأل عن مسائل الخلاف والفروع المختلف فيها، وهو بعد لم يعرف مسائل الإجماع، والمسائل المجمع عليها ينكر أهل العلم أشد الإنكار على من لا يعرفها، ومن تصدى لغيرها قبل بحثها، وقبل الوقوف عليها، ومعرفة أصلها وأدلتها، فهو يسأل عن الفروع وهو بعد لم يتعلم الأصول، ويسأل عن الخلاف وهو بعد لم يتعرف على محل الاتفاق عند أهل العلم، كل هذا خلط وخبط عشواء في طريق الطلب، فينبغي أن يتنزه عنه طالب العلم.

وبعض الطلاب يسألون عن مسائل كثيرة، وإذا لقيته هذا العام تجده يسأل عن مسائل كان يسأل عنها منذ أربع أو خمس سنوات، ففي أول دروسنا في مسجد التوحيد كان بعض الطلاب لا يحلو له إلا أن يسأل عن المتشابهات، أو عن الخلافيات، أو عن الفرعيات الدقيقة جداً، فإذا سئل عن مسائل في أصول العلم والأمور المتفق عليها والمجمع عليها بين أهل العلم تجده لا يعرف عنها شيئاً، ولا يعرف أصلاً هل هي من دين الله أو ليست من دين الله؟ أقول: إذا كان البحث في هذه المسائل واجباً فإنما هو واجب على أهل العلم المتبحرين فيه، وأما أنت كطالب علم مبتدئ فإن هذا لا يسعك، وليس من أمرك.

فمثلاً: الطفل الرضيع لو أطعمته أمه لحماً -وهو طعام، ولا يختلف أحد أنه طعام- فإنه يقتله، وكذلك هذه المسائل المتشابهات التي لا علم لك بها، ولست أهلاً لها إنما تقتلك ولا تنفعك، مع أنها علم، لكن الله عز وجل جعل لكل شيء قدراً، فهذه المسائل إنما يهتم بها أهل العلم الكبار، وأما أنت فلا.

والدفاع عن دين الله عز وجل واجب على كل مسلم، لكن كل على قدره، فهل أنت مطالب الآن أن تتصدى لفرقة من فرق الضلالة دفاعاً عن دين الله عز وجل؟

الجواب

لا، وأنك إذا فعلت ذلك أفسدت في دين الله عز وجل، بل ربما تكون سبباً قوياً في ظلم الظالمين، وأنا على يقين أنك ستنهزم أمام أصحاب الضلالة؛ لأنك لا تعرف مواطن الشبه التي يثيرونها عليك، وبالتالي إذا ألقيت عليك شبهة واثنتان وثلاث وأربع ولم يأت منك جواب مقنع، أو لم يأت منك جواب أصلاً على هذه الضلالات والانحرافات والشبه؛ اغتر العامة بكلام زعيم المبتدعة، فصدقوا كلامه، ووقع في قلوبهم أنه على الحق، فكنت فتنة للعامة بسبب الجهل، أو بسبب أنك تصديت لمسألة لم تتأهب لها بعد.

إذاً: فاعلموا أن العلم مراتب، ولكل مرتبة أهلها.

[وعن القاسم بن محمد: أن رجلاً جاء إلى ابن عباس فسأله عن الأنفال، فقال ابن عباس: كان الرجل ينفل الفرس وسرجه، فأعاد عليه السائل، فأجابه ابن عباس بنفس الجواب، فأعاد عليه ثالثة، فأعاد ابن عباس الجواب عليه ثالثة، فقال ابن عباس: تدرون ما مثل هذا؟ هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر رضي الله عنه، أما لو عاش عمر لما سأل أحد عما لا يعنيه].

والآن تجد الواحد لأول مرة يدخل المسجد، ولا يعرف عن دينه أي شيء، ثم يتوجه إلى المحاضر ويقول له: أنا أريد أن أعرف الفرق بين الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية والجهاد، والتوقف والتبين، والسلفيين وغير ذلك.

نقول لهذا: أنت لا تعرف كيف تصلي، والأصل أن تتعلم كيف تصلي، وكيف تتوضأ، فتجد كثيراً ممن يتوضأ يقدم ويؤخر، ويزيد وينقص، ويخبط في أصل العبادة، وهذا الأمر وجدناه وأنتم تجدونه هنا، وهو كثير جداً في بلاد الغرب، فمثلاً: في أمريكا وأوروبا تجد المسلم لا يعرف كيف يتوضأ، ولا يعرف كيف يصلي، ويتعثر في أصول دينه، ومع ذلك تجد لحيته طولها ربع متر، وتراه يلبس العمامة، ويمشي في الشارع ومعه دفتر وقلم، وكلما قابل شخصاً ملتحياً أخرج القلم وفتح الصفحة وسأله، وهو لا يعرف أن الذي يسأله هو أيضاً أجهل منه، يقول له: أنا أريد أن أعرف ما هو الفرق بين الجماعة الفلانية وبين الجماعة العلانية؟ وما هي أخطاؤهم؟ وما هو الصواب الذي عندهم؟ فهو يقلب في الصفحات ويكتب الملاحظات، وفي الأخير يقول له: بعد أن استفدنا منك الفوائد العظيمة هذه اكتب لنا كلمة في هذا الدفتر من أجلي، فالمسئول مجهول، والسائل أجهل منه، فالقضية كلها ليس