للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تابع لتحذير السلف من مجالسة أهل البدع ومجادلتهم وسماع كلامهم]

[وعن صالح بن مسمار قال: خرجت من البصرة على عهد عبيد الله بن زياد فسمعت المشيخة الأولى وهم يتعوذون بالله من الفاجر العليم اللسان] يعني: صاحب الحجة، وإن كانت حجته باطلة لكنه على أية حال يتخذ لها من الزخارف ما يجملها في أسماع السامعين.

[وعن المفضل بن مهلهل قال: لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته؛ حذرته وفررت منه].

أي: كنت على حذر منه؛ وفررت منه؛ لأنه منحرف عن السنة، فلا حاجة لك باستماع كلامه، فإنه يحدثك بأحاديث التمسك بالسنة في بدو مجلسه، ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج منه؟! فهو يقيدك بالكتاب والسنة أولاً، ثم يبين لك أن ما عليه هو من الضلال والانحراف ليس ضلالاً وإنما هو سنة، فإن لم تشرب أنت هذه البدعة فلا أقل من أن يتزعزع الحق الذي في قلبك، فأنت مهزوم لا محالة.

[وعن هشام قال: كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين يقولان: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم.

وقال الحسن: لا تمكن أذنيك من صاحب هوى فيمرض قلبك، ولا تجيبن أميراً وإن دعاك لتقرأ عنده سورة من القرآن؛ فإنك لا تخرج من عنده إلا بشر مما دخلت.

وعن أيوب السختياني قال: قال لي أبو قلابة: يا أيوب! احفظ عني أربعاً: لا تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر احذر أن تتكلم فيه، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فأمسك -أي: إذا ذكرت الفتن التي دارت بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فالسنة أن تمسك فيها لسنانك ولا تتكلم- ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينفذوا فيه ما شاءوا، أي: فيصبوا فيه من الضلال والبدع ما شاءوا.

[وقال سعيد بن عامر: سمعت جدتي أسماء تحدث قالت: دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا: يا أبا بكر! نحدثك بحديث، قال: لا].

وربما يقول قائلكم: وما الذي يضر ابن سيرين أن يسمع عنه حديثاً من أحاديث حديث النبي عليه الصلاة والسلام؟

و

الجواب

أنه لا يريد أن يسمع منهم شيئاً؛ لأنهم أصحاب هوى، والقلب يتقلب لأنه ملك لخالقه، فالإنسان دائماً يجعل حول قلبه حجاباً من الإيمان؛ حتى لا يقع في براثن الرذيلة، رذيلة الفكر والاعتقاد الفاسد.

[قالا: سنقرأ عليك آية من كتاب الله، فقال: لا، لتقومان عني أو لأقومن عنكما].

أي: إما أن تنصرفوا الآن، وإما أن أترك لكم المكان وأنصرف أنا.

ومحمد بن سيرين هذا إمام السنة في زمانه، وسيد أهل البصرة، العالم الذي كانت إليه الرحلة في زمانه، وزمن التابعين، ومع هذا ما كان يجادل أصحاب الأهواء والبدع.

[وقال هشام بن حسان: قال رجل لـ ابن سيرين: إن فلاناً يريد أن يأتيك ولا يتكلم -أي: أن رجلاً من أهل البدع يريد أن يجلس معك في المجلس، ولن يتكلم معك بكلمة- فقال ابن سيرين: قل لفلان: لا يأتيني، فإن قلب ابن آدم ضعيف، وإني أخاف أن أسمع منه كلمة فلا يرجع قلبي إلى ذاته].

فإذا كان هذا حال ابن سيرين والحسن البصري وغيرهما؛ فنحن من باب أولى يجب علينا أن نتجنب أصحاب الأهواء والزيغ والانحراف.

[وقال معمر: كان ابن طاوس -واسمه عبد الله - جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم، قال: فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: أي بني! أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد ولا تسمع من كلامه شيئاً].

أي: يأمر ولده أن يدخل أصبعيه في أذنيه؛ مخافة أن يسمع كلمة واحدة من رجل معتزلي.

[وقال عبد الرزاق: قال لي إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: أرى المعتزلة عندكم كثيراً، قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم، قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت؟ قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، والدين ليس لمن غلب].

أي: قلبي ضعيف، والدين ليس حجة لصاحب اللسان، فإذا كان صاحب فربما غلبني، لكن هل تعني غلبته لي أني على الباطل؟ فكم من إنسان على الحق يعلم أن الذي أمامه على الباطل، لكنه لا يستطيع ولا يملك الحجة.

[قال سلام بن أبي مطيع: إن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لـ أيوب السختياني: يا أبا بكر! أسألك عن كلمة، قال أيوب وجعل يشير بأصبعه: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة].