للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهلية المتصدي لأهل الأهواء]

قال [باب: وجوب التصدي لأصحاب الأهواء وبيان أهوائهم وضلالاتهم للأمة].

إن العلماء الكبار هم الذين يتصدون لذلك وليس طلاب العلم، فطالب العلم اليوم قد يفتن بأن يظن أنه على شيء، وهو في حقيقة الأمر ليس بشيء، وهذه السنين القليلة ليست كافية ولا كفيلة لتوثيق العقيدة فضلاً عن معرفة الشبهات، والرد عليها في دين الله عز وجل، ثم يذهب ويفتي نفسه ويجيز لنفسه أن يجادل، وأن يخالط أصحاب البدع، ثم ما يلبث أن ينقلب رأساً على عقب، ويقول: الذي كنت عليه هو الضلال، والذي أنا عليه الآن هو الحق، والدليل على ذلك أن معظم الناس أشاعرة، وأن معظم العلماء أشاعرة، ولو كان مذهب الأشاعرة باطلاً فكيف انتشر في أهل العلم هذا الانتشار؟ والجواب عليه: أن الحق لا يعرف بكثرة الأتباع، وإنما يعرف الحق بمتابعة الكتاب والسنة، والواجب عليه التعرف على الحق أولاً، ولا يجيز لنفسه ذلك وإنما يجيزه العلماء، ولذلك من البلايا العظيمة جداً على الساحة الآن أن الذين كلفوا أن يقودوا الأمة إلى ربها هم الذين يقادون الآن، فالواحد منهم يحرص كل الحرص على أن يلقي على مسامع الناس ما يعجبهم وما يسرهم، وليس هذا طريق السلف ولا الخلف، وإنما طريق الخلف أن يرغم العلماء والمشايخ الناس إرغاماً على تعلم دينهم، وهم أدرى بدين الله عز وجل من هؤلاء العوام المستمعين، أو طلاب العلم الصغار المبتدئين، فكيف يزكي الطلاب الشيخ؟! فتزكية الصغير لا عبرة بها.

فهم يقولون: الشيخ الفلاني صاحب علم، وصاحب هدى، وصاحب سنة، فالذي يقول هذا لزاماً يكون من مشايخه، فهم الذين يأمرونه أن يجلس للتدريس والإفتاء، وليس المستمعون هم الذين يفعلون هذا، فـ مالك رحمه الله أو الشافعي أو غيرهما من أهل العلم لم يزكهم طلابهم، فالطلبة الآن هم الذين يزكون، فيرفعون هذا ويخفضون ذاك، ويقولون: هذا معتدل، وهذا مستقيم وهذا ضال! وهذا انتكاس عظيم جداً.

ومن أعظم الانتكاس كذلك أن تتخير شيخاً بعينه، فتأخذ عنه كل شيء وتقلده، فهذا مذموم في دين الله عز وجل، بل ينبغي عليك أن تسمع واحداً واثنين وثلاثة وأربعة وعشرة، وتختار أصحاب الهدى، وأصحاب الطريق المستقيم، وأصحاب السنة، ولا تسمع من صاحب فتنة، أو صاحب ضلال وانحراف وزيغ يعلم عنه ذلك قديماً وحديثاً، ولا تسمع ممن يغلب على ظنك أنه يبتغي شهرة، أو زعامة أو رئاسة، أو غير ذلك من هذه الأمراض القلبية التي نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم منها.

[قال ابن الحسين: إن طاوساً كان جالساً هو وطلق بن حبيب فجاءهما رجل من أهل الأهواء، فقال: أتأذن لي أن أجلس؟ فقال له طاوس: إن جلست قمنا، فقال: يغفر الله لك أبا عبد الرحمن! فقال: هو ذاك، إن جلست والله قمنا! فانصرف الرجل.

وعن عمرو بن ميمون قال: إياكم وهذه الزعانف الذين رغبوا عن السنة، وخالفوا الجماعة].

والزعانف: هي أجنحة السمك، فهم شرذمة شردوا؛ لأن الأصل هو البقاء على السنة، والاستقامة عليها.

[وعن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد قال: {يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام:٦٨]، قال: يكذبون بآياتنا.

وعن عبد الله الرومي قال: جاء رجل إلى أنس بن مالك وأنا عنده فقال: أبا حمزة! لقيت قوماً يكذبون بالشفاعة، وبعذاب القبر، فقال: أولئك الكذابون، فلا تجادلوهم].