للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جملة من آثار السلف في التحذير من مجالسة أهل البدع وسماعهم وزجرهم عن ذلك]

قال: [وسمعت عبد الرحمن بن مهدي وذكر الصوفية فقال: لا تجالسوهم، ولا أصحاب الكلام، عليكم بأصحاب القماطر].

وأصحاب القماطر: هم أصحاب الدفاتر، وكأنه يريد أن يقول: عليكم بأصحاب الحديث؛ لأن أصحاب القماطر إنما معهم أحبار وألواح يكتبون فيها، وهي صفة أصحاب الحديث.

وإياكم ومجالسة أصحاب الأهواء، وأصحاب الكلام، وأصحاب التصوف، قال: [عليكم بأصحاب القماطر، فإنهم بمنزلة المعادن مثل الغواص هذا يخرج درة، وذاك يخرج قطعة ذهب.

قال: [وعن ابن سيرين: أنه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع أصبعيه في أذنيه، ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه، حتى يقوم من مجلسه.

قال: وعن صالح المري قال: دخل على ابن سيرين فلان -يعني: رجلاً مبتدعاً- وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر فتكلم فيه -أي: هذا المبتدع-، فقال له ابن سيرين: أحب لك أن تقوم وإما أن نقوم].

أي: إما أن تنصرف أنت الآن وإما انصرفنا.

وأنا أريد أن أسأل سؤالاً: هل ابن سيرين لم يكن يستطيع أن يرد عليه ويلقمه حجراً؟ لا، فـ ابن سيرين تربية الصحابة، وهو من كبار التابعين في البصرة، فما الذي يمنعه أن يلقم هذا المبتدع حجراً إلا أنه علم أن الأصل عند سلفه من الصحابة هجران وترك مجالسة ومكالمة ومحادثة أصحاب الأهواء، فأراد أن ينهج سير أصحابه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومن كبار التابعين.

قال: [وقال ابن عون: من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع].

يعني: فأهل البدع أمرهم معروف ومفضوح، لكن الخشية كل الخشية من إنسان يجالسهم؛ لأنه لا يأمن أن ينجرف في هواهم.

قال: [وعن يحيى بن أبي كثير قال: إذا لقيت صاحب بدعة قد أخذ في طريق فخد في طريق آخر].

وأنتم تعرفون حديث: (ما سلكت يا عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك)، وهكذا أصحاب البدع إذا رأيته في طريق فاسلك طريقاً آخر.

قال: [وعن إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال: سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعته: يجالس؟ قال: لا يجالس، ولا يكلم؛ لعله يتوب.

أي: ينبغي أن ينفض عنه جميع الناس؛ لعله يتأثر بذلك فيتوب].

قال: [وقال الإمام أحمد بن حنبل: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم، ولا يخالطهم، ولا يأنس بهم.

قال: [وعن أيوب السختياني أنه دعي إلى غسل ميت فخرج مع القوم، فلما كشف عن وجه الميت عرفه -أنه من أهل البدع- فقال: أقبلوا قبل صحابكم، فلست أغسله، رأيته يماشي صاحب بدعة].

أي: أنه ليس مبتدعاً جزماً، وإنما رأيته يماشي أصحاب البدع، ولذلك ترك غسله، والصلاة عليه، لا لكفره، وإنما لبدعته، وحتى يكون في ذلك أعظم زاجر للناس عن أن يماشوا، أو يجالسوا أو يحاكوا أصحاب البدع.