للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة التأهل عند الرد على أهل البدع ومناظرتهم]

إن تحذير أهل العلم من مجادلة أهل البدع أمر عظيم جداً، وهم بهذه المصالح الواجب الأخذ بها إنما يحافظون على ألا تزل ألسنتنا وأقدامنا في مجاري ومهاوي أهل البدع، وهذا أمر لابد أن يتفطن له الشباب.

ومنذ ثلاثة أشهر أخذ أحد الإخوة بعض الكتب والرسائل، وذهب إلى مدينة نصر يناظر ما يسمون أنفسهم بالقرآنيين، فلقيته في الطريق؛ فسألته عن وجهته، وعما إذا كان يمكنني أن أخدمه بأن أدخله إلى المكان الذي يريد أن يذهب إليه، فقال: إنما أنا ذاهب لمجادلة ومخاصمة فلان وفلان، قلت: لمَ؟ قال: لأنهم يقولون بالقرآن فقط، وقد طبعوا كتاباً، وناولني نسخة من هذا الكتاب، وكان معه عدة كتب من كتبهم، وقال: الحمد لله قد ألممت بأفكارهم وكتبهم ومصادرهم وغير ذلك، وسينعقد بعد قليل المجلس لمناظرتهم، فنصحته مراراً ورجوته تكراراً، فأبى إلا أن يذهب فذهب، وإذا بهذا الرجل بعد أن رجع يقول: والله لقد ألقوا علي شبهات لم تكن في هذه الكتب، ولا في هذا المقرر، وبالتالي أجلنا هذا المجلس لبحث هذه المسائل، والرد عليها في المستقبل.

فقلت: إنهم يفعلون في كل مجلس بك مثلما فعلوا بك في المجلس السابق، وفي كل مرة ستضطر إلى الاعتذار عن الجواب؛ لأنك لا علم عندك.

وعلى أية حال هذه سمة من سمات أهل البدع؛ أنهم يُعنَون ويهتمون بمسألة واحدة، فيفتون على أصولها وعلى مدلولها وعلى أدلتها، ولذلك يتفوقون فيها أيما تفوق، فيجمعون الشبهات ويطرحونها على أهل الحق؛ فيقع فيها من لم يكن من أهل الحق محصناً بالعلم والإيمان.

ولا تزال المناظرة قائمة بين هذا الرجل -وهو من أهل العلم أحسبه كذلك- لكنه لم يتأهل لمناظرة هؤلاء.

فلابد أن تعلموا أن سيرة السلف كلها قاضية وشاهدة بأنه لم يتصد لأهل البدع أحد قط إلا من يشار إليه بالبنان في العلم، فلو أنك أتيت مثلاً على القرن الأول لوجدت أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أرسل للخوارج من يناظرهم أرسل ابن عباس، وابن عباس معلوم قدره في الدين، فهو حبر الأمة، فلم اختار ابن عباس مع أن جيشه كان فيه آلاف من الصحابة والتابعين؟

الجواب

لأنه كان فقيهاً، وانظر إلى الثمرة التي رجع بها ابن عباس: تاب على يديه أربعة آلاف شخص.

وهذا قد حدث في زمن عمر بن عبد العزيز كذلك، فـ عمر اختار أن يناظر هو بنفسه أهل البدع، وأنتم تعلمون أن عمر بن عبد العزيز كان من كبار أهل العلم، وحتى بعد الخلافة كان مشهوراً بالرواية والتحديث، فهو من أهل العلم الأفذاذ، وكان يتصدى بنفسه لأهل البدع.

فالمناظرة مهمة أهل العلم الأفذاذ الذين يرجع إليهم في الفتوى في زمنهم، ويشار إليهم بالبنان، فكان علماء السلف مع تأدبهم يناظرون، إلا أنهم كانوا يتهمون أنفسهم.

فالذي ناظر المعتزلة هو أحمد بن حنبل، والذي ناظر بشراً المريسي هو الإمام الشافعي وهؤلاء هم رءوس البدع، وقد تصدى لهم رءوس الهدى والسنة في أزمنتهم، وأما أنت يا أخي المسلم! فما زلت على أول عتبة من عتبات طلب العلم؛ فينبغي الاهتداء بالسلف حتى تصل إلى مرادك في طلب العلم؛ ليصلح علمك ويصلح شأنك، وأما إن كنت تتصور بأنك إنسان ذو لحية طويلة، ولابس قميصاً وغير ذلك، وأنك ماهر بكل شيء؛ فهذا بلا شك باب عظيم جداً من أبواب الكبر والغرور.

قال: عن ابن عباس أنه قال: لا تجادلوا المكذبين بالقدر؛ فيجري شركهم على أيديكم.