للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجرأة على العلماء لا تأتي إلا من الجهال]

قال: [وجاء أبو بكر الأصم -وهو فعلاً أصم- إلى عبد الرحمن بن مهدي فقال: جئت أناظرك في الدين].

عاملك الله بما تستحق! ألم تجد إلا عبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام الشافعي، فـ عبد الرحمن بن مهدي تورع، وأحمد بن حنبل تورع، وهؤلاء هم أئمة الدنيا، ودائماً الجرأة لا تأتي إلا من جاهل أو غبي، ولذلك قال عبد الله بن المعتز: لا يتصدر إلا فائق أو مائق.

والفائق: هو المتفوق، فيكون له صدر في الأمة، وصدر في الناس، وعلم يشار إليه؛ لأنه طول عمره وهو رجل فاضل ومحترم، يحافظ على وقته، ويذاكر ويحفظ، ويستمع كلام أهل العلم، ويحاول أن يحصل العلم من مصادره؛ حتى يكتب له التفوق والتصدر في الناس، وإن لم يبغ هو التصدر لكن الناس يقدرونه، مع أن علماءنا ليس أحد منهم من أهل الدنيا، أو صاحب منصب، وما فرض علينا علمه من خلال منصبه.

وأما أصحاب المناصب فهم أكبر سلاطين في الدنيا، لكن لما يدخلوا علينا نقول لهم: لا نريدكم؛ لأن عندنا أناساً أحسن منكم، وأنظف منكم، فنتلقى عنهم، وأنتم لستم أصحاب دين، بل أصحاب انحراف، والانحراف ثابت عنكم، وقد كنتم مستقيمين قبل الكرسي، وبعد الكرسي تغيرت أحوالكم، ومن أجل ذلك كلامكم عندنا غير معتمد، مع أنهم في العلم أناس جيدون، فهم ليسوا جهلة، لكننا لا نثق في علمهم أو في فتاواهم.

فمثلاً: عندنا الشيخ الألباني رحمه الله، وابن باز وغيرهم من أهل العلم، هؤلاء أناس كتب لهم القبول والصدارة في العالم كله كافرهم ومؤمنهم، وليسوا أصحاب كراسي ووجاهات، ولا عندهم من الأموال الكثيرة لكي نتملق لهم من أجل أن نأخذ من دنياهم.

بل أنا أذكر مراراً أن الجهلة كانوا يأتون إلى عمان الأردن، ويجهلون أيما جهل على الشيخ الألباني، حتى هم كثير من الطلاب أن يضربوهم؛ لأنه لا يمكن مناقشة العالم بهذا الأسلوب أبداً.

فمثلاً: جاء رجل من مصر إلى عمان الأردن، وصلى الجمعة عند الشيخ الألباني في مسجد صلاح الدين في الدوار الرابع عند الشيخ أبي شقرة، وبينما أنا صاعد المسجد سمعته يقول: أين الأخ الألباني؟! فقلت له: لا يصح هذا يا فلان! من الخطأ أنك تخاطب عالماً مبرزاً في الأمة بلقب الأخ، فهل تدخل على أبيك فتقول له: يا أخ فلان؟! أو على أمك وتقول لها: يا أختي؟! المهم خرج الشيخ الألباني من المسجد الله يرحمه ويحسن إليه، فقال له: يا شيخ! أنا جئت لك من مصر مخصوص، قال له: لماذا؟ قال له: أنا ذهبت أقدم في الجامعة الإسلامية فقالوا: لا بد أن تأتي بتزكية من الشيخ الألباني، فقال له: قالوا لك: تزكية من الشيخ الألباني؟ قال له: نعم، قال له: ولكن أنت أول واحد ينقل إلي أن هذا الطلب من الجامعة موجه إليّ، وإلا فالأصل أنهم يقولون: اذهب وائت بتزكية من شخص معتبر عندهم وكفى، لكن أنهم عينوا لك الألباني فعجيب، قال: نعم عينوا الألباني، فقال: طيب يا أخي! إن التزكية شهادة، فكوني أشهد لك أنك من أهل الاستقامة في العلم والعمل والعقيدة وغير ذلك أمر مهم جداً، ثم قال له: أليس الواجب علي ألا أشهد إلا بما علمت؟ فقال الرجل: أنا الحمد لله أخ مسلم جئت من مصر، فكيف تردني؟ وهل كان النبي عليه الصلاة والسلام يرد سائلاً؟ وأخذ يناقش بجلافة وقلة أدب مع الشيخ، ثم طلب من الشيخ المال الذي أنفقه في سفره إليه، فقال له الشيخ: ومن أين آتي لك بفلوس؟ هل أنا قلت لك: تأتي؟ فقال له: إما أن تعطيني الشهادة أو تعطيني الفلوس.

ثم إن الإخوة الذين هم مختصون بهذه الأشكال قاموا وصرفوه من الشيخ، ثم أتى إلى هنا ولم يتعلم لا في الجامعة ولا في المدرسة، ولا يزال إلى الآن يحمل حملة شعواء على الشيخ الألباني.