للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأديب عمر لصبيغ بن عسل الذي كان يسأل عن متشابه القرآن]

قال: [قال سليمان بن يسار: إن رجلاً من بني سعيد يقال له: صبيغ بن عسل قدم المدينة وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فبعث له وقد أعد له عراجين النخل -جريد النخل- فلما دخل عليه جلس فقال له: من أنت؟ قال: أنا صبيغ، فقال عمر: وأنا عمر عبد الله، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين حتى شجه -أي: قطع لحم رأسه- فجعل الدم يسيل على وجهه فقال: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي].

وهكذا كثير من الملاحدة، لكن لما لم يكن لدين الله عز وجل حماة في هذا الزمان، لا من الحكام ولا من المحكومين، لجأ أهل العلم الغيورون على دين الله عز وجل إلى الجدال ورد الشبهة، حتى إني لأعتقد أن كثيراً من المحاضرات والدروس وخطب الجمعة إنما هي رد فعل لكلام الملاحدة، على أية حال هو ضرب من ضروب العلم: لأن العلم أن أعلمك الشيء ابتداءً دون أن تسأل عنه حتى تعلمه، والوجه الثاني: أن تسأل عن شبهة طرأت عليك فأعلمك إياها وأردها عنك وأقيمك على الجادة، لكنه أمر مخجل جداً أن ينشغل أهل العلم الآن بالرد على هؤلاء الملاحدة، مما يدل على أن كل واحد من هؤلاء رفع عقيرته؛ لأن الراية الخضراء أمامه: افعل ما تشاء فهذا هو وقت استباحة المحرمات، ووقت الطعن في الثوابت التي تعلمها أطفال المسلمين قبل كبارهم! فنجد من ينازع في أصول الحج، وفي أصول الصلاة، وفي أصول الصيام، وفي أصول الزكاة، وهذه ثوابت لا يجوز زعزعتها من قلوب المسلمين رجالاً ونساءً، صغاراً أو كباراً، فنجد الآن من ينازع ويزعزع هذه الثوابت، حتى يأتي الرجل فيسأل عن شيء لا تملك أمامه إلا أن تضرب رأسك بالأرض أو بالحائط، كيف يسأل عن هذا؟! فيقول: الزنا قضية شخصية فلماذا حرمها الله عز وجل؟ فماذا تقول لهذا؟ هذا لا يصلح معه إلا عراجين النخل، لكن من يملك هذه العراجين الآن؟ لا أحد، فكأن حماة الدين في هذا الزمان يتامى لا أب لهم ولا أم، فقدوا كل سلطان على هؤلاء الملاحدة، بل لو غضبوا لله عز وجل وتمعرت وجوههم ولو مرة؛ لنسبوا إلى الجهاد والتطرف والتزمت وغير ذلك.

وعلى أية حال هذه خطط ظنوها محكمة، لكنها بإذن الله تعالى أوهن من بيت العنكبوت، والله تعالى هو الذي يحمي دينه، وأنا أذكر بهذه المناسبة مقولة عبد المطلب في مواجهه أبرهة الأشرم حينما أتى ليهدم الكعبة، فأخذ الإبل والمتاع، فخرج إليه عبد المطلب وقال: أما الإبل فهي لي وأنا ربها، وأما البيت فله رب يحميه، نعم.

فنقول: إن دين الله عز وجل هو دينه الذي ارتضاه وأنزله من السماء، وهذا الدين لا يزال ظاهراً، وطائفة قائمة يظهرونه إلى قيام الساعة، لا يضرها من خالفها من هؤلاء الملاحدة، حتى يأتي أمر الله تعالى وهم ظاهرون، وهم على ذلك.