للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف أهل السنة وأهل البدع من المتشابه في القرآن والسنة]

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: في الدرس الماضي تكلمنا عن التحذير من الخوض في متشابه القرآن، وقلنا: إن الله تبارك وتعالى أوحى بكلامه إلى نبيه عليه الصلاة والسلام عن طريق جبريل عليه السلام، فكان من كلام الله المتشابه، ومن كلامه سبحانه وتعالى المحكم الذي لا يلحقه تأويل ولا نقص.

وعقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالمتشابه: الإيمان به دون خوض فيه.

وفيما يتعلق بالمحكم كعقيدة غيرهم أنهم لا يتأولونه من باب أولى، بل يعملون به.

وقلنا أيضاً: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالمتشابه كما جاء، ويمرونه على المعنى اللائق بالله عز وجل، وذلك إذا كان هذا خاصاً بصفات المولى تبارك وتعالى.

أما أهل البدع فإنهم يطنطنون ويدندنون حول متشابه القرآن، ويشككون عامة المسلمين في دينهم، وفي كلام ربهم من واقع هذه الآيات التي يبدو فيها التشابه، ويقولون: هذا اضطراب في كلام الله؛ ولذلك يعتبرون هذا حجة على أن هذا ليس من عند الله عز وجل، والأمر ليس كذلك، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، أي: فلما لم يكن فيه أدنى اختلاف؛ دل على أنه كلام الله عز وجل، وكذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صح الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وكان بينه وبين حديث آخر -على هذا النحو- في الظاهر تعارض؛ فإنما ذلك مرده إلى العقل الذي يتعامل مع هذين النصين، فإذا صح النصان فلا بد من الجمع بينهما، ومشكاة الوحي واحدة: قرآن، وسنة، ولذلك قال حسان بن عطية رحمه الله: كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث كما ينزل عليه بالقرآن، والله تعالى زكى كلام نبيه فيما يتعلق بالوحي، فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤]، سواء كان ذلك في القرآن أو في السنة.

وعادة أهل البدع دائماً أنهم يقفون عند المتشابه من القرآن ومن السنة على خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة.

فأردنا أن نذكر أمثلة متممة ومبينة وموضحة فيما يتعلق بتعلق أهل البدع بمتشابه القرآن، إذ إن أهل البدع جعلوا التعلق بالمتشابه بوابة للطعن في كلام الله عز وجل، وزعزعة الإيمان في قلوب عامة المؤمنين والمسلمين.

وقد اخترنا رسالة فيها نماذج طيبة، وهي منسوبة للإمام أحمد بن حنبل، وعنوانها: الرد على الزنادقة الجهمية.

وفيها: الجزء الأول: الرد على الزنادقة، ثم بعد أن فرغ من شبه الزنادقة رد على شبه الجهمية، قال عبد الله بن الإمام أحمد: هذا ما أخرجه أبي رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وتأولته على غير تأويل، أي: صرفوا هذه الآيات عن ظاهرها، وعلى غير ما أراد الله تعالى منها.

قال الإمام: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم! هؤلاء العلماء ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس يشبهون عليهم؛ فنعوذ بالله من فتن المضلين.

انتهت مقدمة الإمام.