للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على شبهة كون الله عز وجل خلق الخلق وجعل بعضهم معاندين للحق رافضين له]

السؤال

لقد سبق في علم الله عز وجل أن هؤلاء الكفرة والملحدين لن يستجيبوا لرسوله، فكتب عليهم الشقاء الذي هم فيه، ولكن قد يقول القائل: هذه النفس العنيدة التي لا تستجيب للحق، أوليس الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها وأودعها في عباده، وجعلها متكبرة عنيدة تأبى الحق، ولو شاء الله سبحانه لجعلها نفساً صالحة طيبة تستجيب للحق إن جاءها، فكيف نرد على إشكالهم هذا؟

الجواب

هذا سؤال لا يعدو كونه شبهة من الشبهات، لكني أذكر لك مثالاً: لو أن غرضاً من الأغراض يؤدي إليه طريقان: أحدهما معبد ممهد، والثاني ليس كذلك، بل قد امتلأ بالشوك والحجارة الجارحة وغير ذلك، وأتينا بأقذر خلق الله وقلنا له: أمامك غرض يؤدي إليه هذان الطريقان، طريق سهل مرصوص معبد ممهد للسالكين، والآخر كما ترى قد امتلأ بالشوك والحجارة وغير ذلك من المعسرات، فعليك أن تصل إلى الغرض في مدة زمنية معينة، فماذا سيسلك هذا السالك؟ هل تتصورون أنه يدع الطريق الممهد؟ أنت يا أخي عندما تسير بسيارتك وأمامك طريق مكسر قريب، وطريق آخر ممهد وهو بعيد، فإنك ستسلك الطريق الممهد، وتقول: إنه طريق جيد نمشي عليه؛ لأن الطريق المكسر قد يكسر سيارتي ويكسر لي عظمي حتى وإن مشيت على رجلي، هل هذا الفعل الذي يقوله هذا الفاعل متعلق بالتمييز والإدراك، ممكن أن يأتي مجنون ويقول لك: أنا سأسلك هذا الطريق الذي به حفر، إنه حلو جداً وجميل جداً.

نقول: هذا إنسان غير مكلف، لكن هذا الفاجر العنيد قد بينا له أن الهدف أمامه وهو ينظر إليه، ويؤدي إليه طريقان: أحدهما قد امتلأ بالشوك، والآخر معبد ممهد مرصوص وجميل، فماذا على هذا الفاجر أن يسلك؟ هل هناك أحد من العقلاء يمكن أن يقول: سيسلك الطريق الذي امتلأ شوكاً، لا يمكن، ولو فعل لحكمنا عليه بالجنون.

وإذا كان الأمر هكذا في هذا المثل فلله المثل الأعلى، وقد أعذر الله عز وجل لجميع خلقه بأن أرسل لهم رسلاً، وهؤلاء الرسل كانت مهمتهم إثبات وحدانية الله عز وجل وربوبيته، وهداية الخلق إليه عز وجل الذي خلقهم ورباهم وتولى أمرهم وقام على شئونهم، وأنزل مع الرسل الكتب فيها الهدى والنور، هذا فيما يتعلق بالكتب والرسل، وجعل العباد مكلفين بشرط أن يكون عندهم عقل، فركب فيهم العقول التي تميز بين الخير والشر، بين النافع والضار، بين الحق والباطل، فعلموا أن هذا هو الحق، ولكنهم عاندوا من عند أنفسهم، كمن عاند وسلك الطريق الذي قد امتلأ شوكاً ليصل إلى الهدف، لكن هذا العنيد إن سلك طريق المعصية فإنه لا يصل إلى الجنة؛ لأنه لا حظ له فيها، كما أن سلوك هذا الطريق يؤدي به إلى النار التي خلقها الله عز وجل، وأعد لها من أعد من خلقه؛ لما سبق في علم الله عز وجل أن الحجة قد قامت.

ثم هذا السائل الذي يسأل هذا السؤال، لو أني قلت له: لو كان لك ولد وقلت له: يا بني! أنا سآتي لك بالطعام والشراب، وأذهب بك إلى المدرسة ذهاباً وإياباً، وآتي لك بالمدرسين، وأسعى لك في كل واد في سبيل تحصيل التفوق في نهاية العام، ولكن هذا الولد آثر العناد وعدم الانتباه والامتثال لكلام المدرسين، ولم يعبأ بكل ما صنعه معه والده، وفي نهاية العام حقق رسوباً شديداً، ماذا يكون موقف الوالد، يضربه؟ يشتمه؟ يوقع به أشد العذاب؟ كل ذلك يمكن أن يكون من الوالد، لماذا؟ لأن الوالد يرى أنه ما قصر، وأن هذه النتيجة ليست من قدر الله عز وجل الشرعي، إنما هي من قدره الكوني نسبة إلى تقصير هذا الولد.

إذاً: مرد ذلك إلى التقصير والعناد أم لا؟ وإلا فلماذا يضرب الوالد ولده؟ ونحن نؤمن أن الكل من عند الله، لكن ما كان من عند الله تعالى في ذات الخير والشرع والدين والمحبة، كل ذلك راجع إلى ما أمر الله تعالى به على ألسن رسله في باب المحبة والرضا والشرع، أما ما وقع من شر في الكون، فإنه وقع بسبب تقصير من العباد بعد قيام الحجة، فالله تعالى علم ذلك قبل أن يخلق الخلق، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (وإن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بكتب أربع: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) الله تعالى لا يحب الكفر، والكفر موجود، فهل وجد الكفر في الكون رغماً عن الله عز وجل؟ حاشا لله، إنما وجد الكفر في الكون بإرادة الله الكونية القدرية، ومعنى إرادته الكونية القدرية أنه قدر ذلك وشاءه كوناً لا شرعاً، وإلا فالله تعالى قدر تقديراً شرعياً الإيمان الذي هو في مقابلة الكفر، وأحبه ورضيه، ولما علم الله عز وجل سلفاً أن عبده فلاناً الذي يخلق في الساعة الفلانية واللحظة الفلانية إذا كبر اختار طريق الضلال، وعبده الآخر إذا كبر اختار طريق الهداية، بعد إفراغ الأعذار لجميع العباد؛ تجد أن بعض العباد سيختار طريق الهداية، وبعض العباد سيختار عناداً طريق المعصية أو طريق الكفر والإلحاد، فأعد الله عز وجل لهؤلاء الجنة في نهاية أمرهم، وأعد لهؤلاء النار في نهاية أمرهم، فهل هذا عدل من الله عز وجل أم جور؟ عدل؛ لأن الله تع