للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تمزيق المصحف في حال الغضب]

السؤال

ما حكم تمزيق المصحف متعمداً مع الغضب؟

الجواب

لو أنه وقف عند هذا الحد لقلنا كافر، أما قوله مع الغضب فنفرق كما فرق ابن تيمية عليه رحمة الله بين ثلاثة أنواع من الغضب، النوع الأول: الغضب البسيط، أي: لا بد للإنسان أن يغضب؛ لكنه غضب بسيط يملك معه المرء نفسه، أي: حينما يندفع يمسك نفسه ويكبح جماح نفسه، فهذا غضب بسيط.

النوع الثاني: غضب شديد لا يملك الإنسان أن يكبح جماح نفسه؛ ولكنه يدرك ما يقول.

النوع الثالث: غضب شديد جداً يُغلق معه المرء ولا يدري ما يقول، حتى لو ألقى ولده من شاهق فقيل له: لِم ألقيته؟ قال: والله ما ألقيته، وهذا الذي يسمى إغلاقاً، ولا طلاق مع إغلاق، فلو أن إنساناً بلغ في الغضب هذا الحد وهذه المرحلة، فإنه لو طلق امرأته مائة مرة فإنها لا تطلق، لأن هذا والمجنون شيء واحد، لقد فقد عقله تماماً.

والله عز وجل أخبر عن موسى عليه السلام أنه ألقى الألواح وفي نسختها هدى ونور، ألقى التوراة على الأرض من شدة غضبه حينما رأى أن بني إسرائيل عبدوا العجل من بعده، فعندما أتى إلى أخيه هارون وجد الناس قد اتخذوا عجلاً جسداً له خوار، حيث جمعوا الذهب من بني إسرائيل وصهروه وصنعوه عجلاً، وجعلوه في جهة الهواء، فإذا دخل الهواء فيه سمعوا صوتاً، وهذا هو الخوار؛ فلما رأى أن الذين قد كانوا آمنوا من بني إسرائيل يعبدون العجل والنبي بينهم، ولمجرد أن ذهب إلى طور سيناء ورجع مرة أخرى وجدهم يعبدون العجل في حياته! هذا يا إخواني إذا كنا نسمعه الآن أو نقوله ونستهين به؛ فهو عند الأنبياء لا يستهان به ولا يسكت عنه، فهو عندهم هدم للرسالة من أساسها، فغضب غضباً شديداً جداً حتى أخذ أخاه بلحيته يجره إليه فقال: يا ابن أم لا تشمت بي الأعداء فأنا لا أعرف شيئاً، ففي ثورة غضب موسى عليه السلام ألقى الألواح، فهذا غضب يبلغ درجة الإغلاق؛ فهذا الذي لا يؤاخذ به المرء حتى وإن كان نبياً، أما غضب هو أقل من ذلك فالمرء محاسب على فعله.

فانظر إلى هذه الثلاثة الأنواع من الغضب التي ذكرتها لك، وانظر من مزّق المصحف وكان مغضباً في أي درجة كان هو من هذه الدرجات الثلاث، ولكل من هذه الدرجات حكمه عند أهل العلم.