للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال نافع الجمحي وعبيد بن عمير ووكيع والحسن ومجاهد والزهري في أن الإيمان قول وعمل]

[وقال يحيى بن سليم: وسألت نافع بن عمر الجمحي، فقال: قول وعمل، وسألت مالك بن أنس، فقال: قول وعمل، وسألت سفيان بن عيينة، فقال: قول وعمل، وسألت جريجاً، فقال: قول وعمل، وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال: قول وعمل، وسألت الفضيل بن عياض، فقال: قول وعمل.

وقال الحميدي: وسمعت وكيعاً يقول: أهل السنة يقولون: قول وعمل، والمرجئة يقولون: قول، والجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة].

إذاً: تعريف الإيمان عند أهل السنة: قول وعمل يزيد وينقص.

أحياناً يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، وأحياناً يقولون: قول وعمل وإخلاص وكلها معان واحدة ومردها إلى بعضها.

المرجئة يقولون: قول بلا عمل، أو أن العمل ليس شرطاً في الإيمان.

الجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة.

أي: أنهم لا يشترطون حتى مجرد التلفظ، فلو أن الإنسان عرف الله عز وجل بقلبه كان ذلك كافياً في إثبات كمال وتمام الإيمان عنده، حتى وإن ترك التلفظ مع القدرة عليه، وهذا كلام في غاية الفساد والنكران، بدليل أن إبليس عليه لعنة الله يعرف الله عز وجل، واعترف بربوبيته وإلهيته في غير ما آية من كتاب الله عز وجل، فهو الذي قال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر:٣٩] أي: أنه معترف بأن الله هو الرب وعارف بذلك موقن به.

ولذلك ابن تيمية يقول: وعلى أصول مذاهب الجهمية فإن إبليس في قمة الإيمان.

فهذا من لوازم قول الجهمية، أعني أنه يجب عليهم أن يقروا بأن إبليس عليه لعنة الله في قمة الإيمان، فهو وجبريل وميكائيل والأنبياء والمرسلون في مرتبة واحدة من مراتب الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم هو المعرفة.

[وقال عبيد بن عمير الليثي: ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان قول يفعل، وعمل يعمل].

[وعن الحسن: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال].

كلها معان واحدة تصب في بوتقة تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة.

[وعن مجاهد قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص].

[وعن هشام عن الحسن قال: الإيمان قول وعمل].

[وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: قال الزهري: نرى أن الكلمة الإسلام، والإيمان العمل].

هذا الكلام ينبغي الوقوف عنده؛ لأن الزهري من كبار أئمة السنة.

فالإمام الزهري يقول: نرى أن الكلمة الإسلام، أي: أنه يثبت الإسلام للمرء بمجرد التلفظ والقول.

كأنه يقول: الإسلام هو قول.

قال: والإيمان العمل، أي أنه يثبت الإسلام عند الزهري لصاحبه بمجرد القول، ولا يثبت له الإيمان الواجب والإيمان المستحب إلا بالعمل، فجعل أصل العمل هو الإيمان، وجعل أصل الإيمان هو العمل، فهو لا يقول إن العمل متمم أو مكمل للإيمان، إنما يقول إن ذات العمل هو الإيمان، كما أن ذات الإسلام هي الكلمة، وهذا كلام في غاية الوجاهة.