للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآيات الدالة على تفاضل المؤمنين بزيادة الأعمال]

قال: [وقال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:٩٥]]؛ لأن هؤلاء مستثنون؛ لأن الذي منعهم من الجهاد هو الضرر؛ سواء كان الحاجة أو المرض أو صغر السن أو الأنوثة أو غير ذلك [{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [النساء:٩٥] والتقدير: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، [{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء:٩٥]]، هؤلاء أحسن من هؤلاء بدرجة [{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٩٥]]، والأجر العظيم هو {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:٩٦]].

[وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١٠٠]]، الذين هاجروا أفضل من الأنصار، وهذه الآية كانت حجة عمر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة، حينما اختلف المهاجرون والأنصار فقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتى عمر بن الخطاب فذكرهم بفضل المهاجرين وفضل سبقهم في الإسلام، وفضل هجرتهم من مكة إلى المدينة، ثم بين فضل الأنصار، وأنه لم يثبت لهم إلا بعد أن ثبت الفضل للمهاجرين لأنهم السابقون الأولون؛ قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} أي: والأنصار من بعدهم، [{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}].

إذاً الترتيب في الفضل: المهاجرون، الأنصار، التابعون لهم بإحسان جيلاً بعد جيل إلى قيام الساعة.

[وقال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١٠ - ١١]]، وهذه أعظم الدرجات.

قال: [فقد علم أهل العلم والعقل أن السابق -أي: من المهاجرين- أفضل من المسبوق، والتابع دون المتبوع، وأن الله عز وجل لم يفضل الناس بعضهم على بعض بوثاقة الأجسام، ولا بصباحة الوجه، ولا بحسن الزي وكثرة الأموال، ولو كانوا بذلك متفاضلين، لما كانوا به عنده ممدوحين؛ لأن ذلك ليس هو بهم ولا من فعلهم، فعلمنا أن العلو في الدرجات والتفاضل في المنازل؛ إنما هو بفضل الإيمان وقوة اليقين، والمسابقة إليه بالأعمال الزاكية، والنيات الصادقة من القلوب الطاهرة].