للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعقيب المصنف على الأحاديث والآثار المتعلقة بترك الصلاة والتهاون بها]

قال ابن بطة: [فهذه الأخبار والآثار والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، كلها تدل العقلاء ومن كان في قلبه أدنى حياة، على تكفير تارك الصلاة، وجاحد الفرائض، وإخراجه من الملة وحسبك من ذلك ما نزل به الكتاب، قال الله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج:٣١].

ثم وصف الحنفاء، والذين هم غير مشركين به؛ فقال الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥].

فأخبرنا جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: أن الحنيف المسلم هو على الدين القيم، وأن الدين القيم هو بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال عز وجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:٥]]؛ فلو تابوا من الشرك ولكنهم تركوا الصلاة والزكاة فهل يجب علينا أن نخلي سبيلهم؟ عطف الله تعالى الصلاة والزكاة على التوبة من الشرك، فلو تاب المرء من الشرك بغير صلاة ولا زكاة؛ فإنه لا يزال قائماً على الشرك، ولذلك لا يخلى سبيله، بل يؤخذ ويعاقب بهذا الكفر الذي قد أتاه.

ثم قال: [وقال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة:١١]-أي: المشركين- {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:١١]].

وهذا يدل على أنهم إن تابوا من الكفر أو الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة؛ فليسوا إخوة لنا في الدين.

ثم قال: [فأي بيان رحمكم الله! يكون أبين من هذا؟ وأي دليل على أن الإيمان قول وعمل، وأن الصلاة والزكاة من الإيمان، يكون أدل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع علماء المسلمين وفقهائهم، الذين لا تستوحش القلوب من ذكرهم]، وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم، [بل تطمئن إلى اتباعهم واقتفاء آثارهم رحمة الله عليهم وجعلنا من إخوانهم].

إذاً! هذا الباب باب تكفير تارك الصلاة وقع فيه نزاع بين فقهاء المذاهب، وبين علماء الأمة من بعد الصحابة رضي الله عنهم، أما الصحابة فإجماعهم منعقد على أن تارك الصلاة كافر، وهو الذي يترجح لدي.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.