للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار السلف في كثرة النفاق العملي وانتشاره]

قال: [وعن أبي البختري قال: قال رجل: اللهم أهلك المنافقين.

قال حذيفة: لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم].

يعني: أن نفاق العمل الذي لا يخرج به المرء من الإسلام قد كثر جداً، ولو أن هؤلاء المنافقين هلكوا -لأن الدعوة عامة، حيث قال: اللهم أهلك المنافقين- لبقي قلة قليلة جداً من أهل الإيمان الذين لم يتخلقوا بأخلاق المنافقين ولم يقعوا في خصال النفاق، وحينئذ يستوحشون جداً؛ لأنهم قلة.

وأنا متصور لو أن الله تعالى يستجيب دعوة الإمام مثلاً وهو في المنبر عند أن يقول: اللهم أهلك المنافقين، وهو يشمل منافق العمل وغيره؛ فإن أول من يهلك هو الإمام ومن وراءه، ولن يبقى في المسجد أحد.

ومع وجود هذا النفاق العملي لو قلنا: حي على الجهاد، كل هؤلاء الناس سيجاهدون، ففي هذه الحالة نكون انتصفنا من العدو وإن كان فينا من لا يستحق النصر، لكنها شعب وأخلاق، فهو هنا يتكلم عن النفاق العملي.

ومرة من المرات قال لي شخص: أنا أتمنى أن يرسل الله عز وجل لي علامة إذا وقعت في معصية أن يحرق ثوبي على بدني.

قلت له: إذاً ستمشي عرياناً دائماً؛ لأن المرء لا يخلو من معصية، إما باطنة وإما ظاهرة، فقلت له: هذا ستر الله عز وجل عليك.

فقال: لو أن المنافقين هلكوا لما انتصرتم في القتال.

أي: فلن تجدوا أحداً يجاهد معكم، فاجعلوا الأمر مستوراً.

قال: [وقال الحسن: لولا المنافقون لاستوحشتم في الطرق].

يعني: سيكون أهل الإيمان ثلة قليلة جداً فقلَّ أن تجد من كل حارة أو شارع أو حي مؤمناً.

وحديث حذيفة بن اليمان لما تكلم عن الأمانة -والحديث طويل- وفي نهايته قال: وأما اليوم فلا أتعامل إلا مع فلان وفلان.

يريد أن يقول: إن الأمانة خرجت من قلوب الرجال، حتى لم تبق أمانة بالمرة، ولو أني أردت أن أتعامل مع أحد لتعاملت مع فلان وفلان من بني فلان وبني فلان.

وهذا أمر عظيم وشديد على النفس أن حذيفة لا يختار لدنياه ولدينه من أمة بأسرها إلا شخصين اثنين أو ثلاثة يعاملهم ويتعامل معهم، أما الباقون فقد ضاعت منهم الأمانة، ومعلوم أن ضياع الأمانة خصلة من خصال النفاق، فحينئذ بقاء الأمر على ما هو عليه -ما دام أن الأمر لا يخرج به صاحبه من دائرة الإسلام- فيه مصلحة المجموعة الإسلامية أو الإيمانية.

قال: [وعن الشعبي قال: لولا المنافقون لاستوحشتم في الطرقات].

قال: [وعن مالك بن دينار قال: أقسم لو نبت للمنافقين أذناب ما وجد المؤمنون أرضاً يمشون عليها].

يعني: لو أن الله عز وجل جعل علامة للمنافق، أو عاقب كل من كانت فيه خصلة من خصال النفاق العملي الذي لا يخرج به المرء من الملة، بأن جعل له ذيلاً وذنباً يظهر في بدنه؛ لاطلع كل منا على ذنب صاحبه، فإنه كلما ينظر في وجه صاحبه وأنه كان يظنه من الطيبين أو من الصالحين ويجد له ذنباً؛ يصب بإحباط ويستوحش، فيقول: ما الذي حدث، لم يبق في الناس خير؟ وعندما ينظر يجد نفسه في وسط أمة هو الوحيد الذي ليس له ذنب، فهذا مع من سيجلس؟ ويتكلم مع من؟ ويجاهد مع من؟ ويؤدي فروض العين مع من؟ وفروض الكفاية مع من؟ وهذا أمر عجيب جداً، وفيه وحشة شديدة جداً.

فالمراد من هذه النصوص أن النفاق كثر في الأمة، وأن صاحبه لا يخرج به من الملة، إنما يخرج صاحب النفاق الأكبر -أي: نفاق الاعتقاد والجحود والعناد وغير ذلك- من ملة الإسلام، ويدخل في حظيرة الكفر.

قال: [وعن الشعبي: ما أدري ما تقولون! من كان كذاباً فهو منافق].

الشعبي يوبخ قومه فيقول: الكذاب منافق، أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (علامة المنافق: إذا حدث كذب)، فها هو النص يثبت النفاق للكذاب، لكن الشعبي يُبَكِّتُ من ظن أن هذا النفاق نفاق أكبر، وقال: أتظنون أن الكاذب منافق؟ يعني: هل يخرج بهذا الكذب عن دائرة الإسلام؟

الجواب

لا.