للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات المنافقين وجزاؤهم يوم القيامة]

قال: فكيف إذا جمعوا ليوم التلاق -أي: يوم لقاء الله عز وجل- وتجلى الله جل جلاله للعباد وقد كشف عن ساق، أي: ساق المولى عز وجل.

ودعوا إلى السجود فلا يستطيعون، قال تعالى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:٤٣].

أم كيف بهم إذا حشروا إلى جسر جهنم وهو أدق من الشعرة وأحد من الحسام، وهو دحض مزلة مظلم، لا يقطعه أحد إلا بنور يبصر به مواطئ الأقدام، فقسمت بين الناس الأنوار، وهم على قدر تفاوتها في المرور والذهاب، وأعطوا نوراً ظاهراً مع أهل الإسلام كما كانوا بينهم في هذه الدار يأتون بالصلاة والزكاة والحج والصيام، فلما توسطوا الجسر عصفت على أنوارهم أهوية النفاق.

يعني: سيأتي المنافقون ومعهم بعض النور؛ لأنهم كانوا يصلون، ويصومون، ويزكون، ويحجون، ويجاهدون مع المؤمنين، فهم كذلك نورهم يسعى بين أيدهم مثل المؤمنين، لكن المؤمن يجوز الصراط كله بإيمان مستقر في قلبه، أما هؤلاء فإنهم يرزقون نوراً وإن كان ضعيفاً، لكن هذا النور لا يخدمهم إذا توسطوا الصراط، فتأتي عاصفة تذهب بنورهم، هذه العاصفة هي عاصفة النفاق، فسقطوا جميعاً في نار جهنم، والعياذ بالله.

قال: فأطفأت ما بأيديهم من المصابيح، فوقفوا حيارى لا يستطيعون المرور، فضرب بينهم وبين أهل الإيمان بسور له باب، ولكن قد حيل بين القوم وبين المفاتيح، باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وما يليهم من قبلهم العذاب والنقمة، ينادون من تقدمهم من وفد الإيمان، ومشاعل الركب تلوح على بعد كالنجوم تبدو لناظر الإنسان: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد:١٣].

يعني: أهل النفاق عندما تنطفئ عاصفة الإيمان أو عاصفة النور ينادون أهل الإيمان من بعيد: ((انْظُرُونَا)) أي: انتظروا، ((نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)) فينادي عليهم أهل الإيمان أو ينادي عليهم الملائكة: ((ارْجِعُوا)) أي: انظروا وراءكم، ((فَالْتَمِسُوا نُورًا)) وهذا على سبيل التقريع.

قال: لنتمكن في هذا المضيق من العبور، فقد أطفئت أنوارنا، ولا جواز اليوم إلا بمصابيح من النور: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد:١٣].

فهذه والله أمارات النفاق فاحذرها أيها الرجل! قبل أن تنزل بك القاضية؛ إذا عاهدوا لم يفوا، وإن وعدوا أخلفوا، وإن قالوا لم ينصفوا، وإن دعوا إلى الطاعة وقفوا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدفوا، وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أعراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا.

فذرهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزي والخسران، فلا تثق بعهودهم، ولا تطمئن إلى وعودهم؛ فإنهم فيها كاذبون، وهم لما سواها مخالفون.

قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:٧٥ - ٧٧].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

وصلى الله على نبينا محمد.