للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحاديث والآثار في كراهة الخوض والكلام في القدر]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: ففي الدرس الماضي تكلمنا عن القدر وكان هو بداية الكلام عن القدر، وبينا هناك أن الله تعالى خالق الخير والشر بدليل أنه خلق إبليس الذي هو رأس الشر.

وأن للقدر مراتب أربعاً: المرتبة الأولى: مرتبة العلم.

والمرتبة الثانية: مرتبة الكتابة ومن أنكرهما كفر بالإجماع.

والمرتبة الثالثة: مرتبة الإرادة، وقيل: المشيئة على خلاف بين أهل العلم فيما يتعلق بمعنى الإرادة والمشيئة.

والمرتبة الرابعة: مرتبة الخلق، والمقصود بها: أن الله تعالى خالق الخير والشر، وأن العبد مكتسب الخير والشر.

إذاً: الأفعال والأعمال في حق العبد اكتساب، وفي حق الرب تبارك وتعالى خلق وإيجاد، الله تعالى خلق وأوجد الخير والشر، ولكن الذي باشر ومارس الخير والشر بنفسه هو العبد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد كان سلفنا وأئمتنا رحمة الله تعالى عليهم يكرهون الكلام في القدر، وينهون عن خصومة أهله ومواضعتهم القول في ذلك أشد النهي، ويتبعون في ذلك السنة وآثار المصطفى].

هناك أحاديث جاءت في القدر، لكن بعضها ضعيف والآخر صحيح أو حسن، فمن الضعيف قوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه عنه [عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم)]، وهو حديث ضعيف، والحسن: هو حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وهم يتذاكرون شيئاً من القدر -أي: يتباحثون في بعض مسائل القدر- فخرج عليهم مغضباً صلى الله عليه وسلم، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان) أي: من شدة الغضب احمر وجهه عليه الصلاة والسلام، فقال: (أبهذا أمرتم؟) أي: أنا أمرتكم أو أن الله أمركم أن تخوضوا في مسائل القدر؟ (أوما نهيتم عن هذا؟ إنما هلكت الأمم من قبلكم في هذا، إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا).

نهاهم النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوض في هذه المسائل الثلاث؛ لأن الخوض فيها يؤدي إلى الهلكة، (إذا ذكر القدر فأمسكوا) أي: لا تتحدثوا فيه ولا تقولوا: لم؟ وكيف؟ لم فعل الله هذا؟ وكيف فعل الله هذا؟ ولم لم يفعل الله هذا؟ قال: (فإذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي) أي: أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام (فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا) هذه الثلاثة أشياء نحن مطالبون ومأمورون ألا نخوض فيها أبداً، وإنما نؤمن بها كما جاءت.

قال: [وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: أبهذا أمرتم؟ -أبهذا وكلتم؟ - انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فاجتنبوه) كأنه عليه الصلاة والسلام قال: لقد نهيتهم عن الكلام في القدر، فما بالكم تخالفون هذا النهي؟ قال: [وعن ابن عباس قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فسمع ناساً يتذاكرون القدر، فقال: إنكم قد دخلتم في شعبتين بعيدتي الغور -يعني: قعرهما بعيد ومهلك- فيهما هلك أهل الكتاب)] كأنه يذكر القدر والنجوم.

قال: [وعن مسلم بن يسار رحمه الله تعالى لما سئل عن القدر فقال: واد عميق لا يدرك غوره -أي: قعره وبعده- قف عند أدناه.

واعمل عمل رجل يعلم أنه يجزى بعمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له.

وعن محمد بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال: كنت جالساً عند ابن عمر فسئل عن القدر فقال: شيء أراد الله ألا يطلعكم عليه].

كأن القدر هذا هو سر الله تعالى، وهذا قد جاء صريحاً عن علي بن أبي طالب: القدر سر الله تعالى في خلقه.

فلما سئل ابن عمر عن القدر قال: [شيء أراد الله ألا يطلعكم عليه.

فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم.

وعن ميمون بن مهران قال: ثلاث ارفضوهن -أي: ارفضوا الكلام فيهن- ما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنجوم، والنظر في القدر]، فكأن هذه من مسائل الإجماع عند السلف؛ لأن الكل أجمع على النهي عن الخوض فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، والإمساك عن النجوم وأن لها عملاً وتأثيراً في الخلق، وكذلك الكلام عن القدر.

قال: [وسئل يحيى بن معاذ الرازي عن القدر فقال: من أحب أن يفرح بالله ويتمتع بعبادة الله فلا يسألن عن سر الله، يعني: القدر].