للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المعارضين للسنن بآيات قرآنية لا تتبين إلا بالسنة]

ثم قال: [ويُسر خبيئاً في اربغاء يتحلى بحلية المسلمين، ويضمر على طوية الملحدين، يظهر الإسلام بدعواه، ويجحده بسره وهواه، فسبيل العاقل العالم إذا سمع قول هذه المقالة أن يقول له: يا جاهلاً بالحق خبيثاً في الباطن، يا من خُطِّئ به طريق الرشاد وسبيل أهل السداد، إن كنت تؤمن بكتاب الله، وأنه منزل من عند الله، وإن ما أمرك الله به وما نهاك عنه فرض عليك قبوله، فإن الله أمرك بطاعة رسوله وقبول سنته؛ لأن الله عز وجل إنما ذكر فرائضه وأوامره بخطاب أجمله، وكلام اختصره وأدرجه، دعا خلقه إلى فرائض ذكر أسماءها، وأمر نبيه بأن يبين للناس معانيها، ويوقف الأمة على حدود شرائعها ومراتبها.

فقال تبارك وتعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:٤٤]].

هذه أوامر مجملة بينها بأوصافها وعددها وهيئاتها وغير ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فلو تركنا النبي صلى الله عليه وسلم بلا بيان، لم يستطع أحد منا أن يعبد ربه، إذاً: لا بد من طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فربنا تبارك وتعالى هو المنزل، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣].

وقال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:٩٧]].

من منا يستطيع أن يحج بغير بيان وتفصيل؟ ولذلك لما حج النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خذوا عني مناسككم) يعني: اعرفوا كيف أحج من أجل أن تحجوا مثلي، وإلا فمن حج على غير نهج النبي عليه الصلاة والسلام فحجه يدور بين البطلان والفساد، أو يجبر بدم عند مخالفة الواجب أو غير ذلك.

ثم قال: [وقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦].

وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣]]، من كان يعرف أن يصوم من غير بيان أحكام الصيام؟ يعني: لو أتيت في هذا الوقت إلى واحد في بلاد الكفر أسلم على يديك، فتقول له: أنت ما دمت قد أسلمت، فربنا قد فرض عليك الزكاة في المال، وأمرك بالصلاة وبالصيام وبالحج، ولم تشرح له كيفية أداء تلك العبادات، فهل يستطيع أن يؤدي طاعة من هذه الطاعات؟ هو لا يعرف كيف يبدأ الصيام وكيف ينتهي، ما الذي يفسده وما الذي يصلحه، وأي الأشهر هو؟ وهل هو شهر أو شهران أو ثلاثة في السنة؟ أم هل هو السنة كلها أو بعضها؟ لا يعرف شيئاً، وكذلك في كل أمر من هذه الأوامر، فلا يمكن الاستغناء عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

ثم قال: [فلو عارضك من هو في الزيغ هالك، وقال لك: إن الصلاة التي دعاني الله إلى إقامتها إنما هي صلاة في عمري -أي: صلاة واحدة في العمر كله- أو صلاة واحدة في كل يوم، أو عارضك في إحدى الصلوات الخمس، فقال: إن صلاة الظهر ركعتان، أو صلاة العصر ثلاث ركعات، أو قال لك: إن التي تسر القراءة فيها من صلاة النهار سبيلك أن تجهر به، وما تجهر به في صلاة الليل والفجر سبيلك أن تخافت به، أو قال لك: إن الله تعالى قال: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩]، فقال: إنما أمرني الله بالسعي والذكر، وليس تجب علي صلاة، وإنما أذكر الله بلساني وأنصرف، أو قال لك: إن الصلاة يوم الجمعة أربع ركعات كسائر الأيام، مثل: صلاة الظهر من غير خطبة، وإلا فأوجدني للخطبة وصلاة الركعتين، والجهر فيهما بالقراءة في كتاب الله موضعاً].

يعني: أعطني دليلاً على أن صلاة الجمعة هذه لها خطبة من كتاب الله عز وجل.

[أو قال لك: إن الله أمرني بالزكاة، وإنما تجب على من معه ألف دينار في عمره مرة واحدة دينار واحد.

أو قال لك قائل: إنما الزكاة في الذهب والورق ولا زكاة في الحبوب ولا البهائم، أو كيف تعطى الزكاة من البهائم والأنعام؟ أو قال آخر: إن الخيل والبغال والحمير والإماء والعبيد والعقارات والسفن والثياب الفاخرة والجواهر، واليواقيت التي يتزين بها الناس ويتجملون بها من نفيس الأموال وخطير العقد والأملاك فلم لا تؤدى زكاتها؟].

يعني: لماذا لا تخرج عنها زكاة، لأن الشرع لم يفرض عليه فيها زكاة؛ لأنها استعمال شخصي.

[أو قال قائل: إني أحج بلا إحرام، ولا أخلع ثيابي، ولا أجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرمون، ولا أمتنع من جماع النساء، وأستعمل الطيب، ولا آتي الميقات، ويجزيني طواف واحد وسعي واحد، والعمرة التي ذكرها الله عز وجل إنما هي الصلاة أصليها أو هدية أهديها.

أو قال لك: إن الجمار لا أرميها.

أو عارضك في شهور رمضان، وقال: إنما فرض على النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، فقال: إن الشهر الذي فرض صيامه إنما هو رمضان الذي أنزل فيه القرآن]، وهذه هي حجة الملاحدة في الزمن القديم، استدل