للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم مقولة: لم جعل الله لإبليس وذريته سلطاناً أن يأتوا بني آدم

قال: [ومن ذلك نوع آخر أن الله عز وجل جعل لإبليس وذريته أن يأتوا بني آدم في جميع أطراف الأرض].

ليس في مكان بعينه، بل مهما ذهبت في باطن البحر أو في قعر الصحراء فإن إبليس معك، جعل الله تعالى لإبليس سلطاناً على بني آدم في جميع أطراف الأرض، كما أنه جعل له سلطاناً أن يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم كما ذكر الله تعالى.

قال: [وجعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم، ولم يجعل للرسل من بني آدم ذلك السلطان].

يعني: تصور أن الله تعالى كان قادراً أن يجعل للرسل سلطاناً، ويجرون في عروق ودماء بني آدم كما جعل ذلك لإبليس؛ فلم جعل الله تعالى ذلك لإبليس ولم يجعله لعباده الصالحين من الأنبياء والمرسلين؟ قال: [ولو كان هذا في أحكام العباد لكان من العدل بينهم أن يكون مع إبليس وذريته علامة كعلامة السلطان، أو يكون عليهم أجراس يعرفونهم بها].

يعني: يقولون: لماذا لم يجعل الله لبني آدم علامة وأمارة يعرفون بها إبليس، أو يجعل مع العبد جرساً يكون نذيراً له عندما يقترب منه إبليس؟ لو حصل ذلك فإن الجرس لن يتوقف ولا يكاد ينتهي، بل يضرب باستمرار؛ فيكون في ذلك إزعاج، فيكفيك يا أخي المسلم! أن يبين الله تبارك وتعالى لك في القرآن أن معك قريناً من الشياطين وقريناً من الملائكة، حتى النبي عليه الصلاة والسلام كان معه قرين، إلا أن الله تعالى أعانه عليه فأسلم، فأكبر علامة لوجود إبليس أنه جاثم على صدرك بالليل والنهار لا يبرحك أبداً، وكلما فرغ من وسوسة ذهب إلى وسوسة أخرى، وهذا الذي بينه القرآن وبينته السنة.

ومن الناس من يقول: لو كان الله عز وجل جعل لنا علامة القبول والرد في الأعمال والأقوال لعلمنا ما هو المقبول من أعمالنا وما هو المردود، ولو وقع ذلك لعنت عنتاً شديداً، وواجه مشقة شديدة جداً.

فهذا من رحمة الله عز وجل بك أنه لم يخبرك بهذا، وإلا لكان كل واحد منا الآن إلا من رحم الله في ضيق وعنت شديدين جداً، كلما عمل العبد عملاً رد عليه.

لو وقعت أنا في ضائقة، وأحببت أن أتوسل إلى الله بصالح عملي؛ فإني أقسم بالله العظيم أنني لا أجد لي عملاً صالحاً واحداً، وهذا بلاء عظيم جداً، فمن رحمة الله عز وجل أن أرجع ذلك للآخرة، وبين لك علامات قبول الأعمال وعلامات رد الأعمال في الكتاب والسنة، فشرط قبول العمل الإخلاص لله عز وجل وعدم الشرك والرياء، ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك البدع في الدين.

لو أنك تعمل عند رجل صاحب عمل، وكلما اجتهدت في تحسين العمل رده وقال لك: العمل هذا لا يعجبني.

أعد العمل مرة أخرى، لو أنه فعل بك ذلك مرتين أو ثلاث مرات في عمل واحد وقد بذلت الوسع في إرضائه ولم يرض؛ ليئست من العمل معه وتركته.

فلو أنك يئست من رحمة الله ماذا ستفعل؟ وإلى أين تذهب؟ لابد أنك ستذهب إلى الجحيم باليأس من رحمة الله عز وجل، فمن رحمة الله عز وجل أن ترك ذلك لنا إلى الآخرة، أما أن تطالب الله تبارك وتعالى أن يجعل لك علامات من الآن تعرف بها الخير من الشر، وتعرف بها القبول من الرد فهذا من العنت الذي نهينا عنه كذلك؛ ولذلك هؤلاء لو طالبوا أن يكون لهم علامة كعلامة السلطان، أو يكون عليهم أجراس يعرفونهم بها، ويسمعون حسهم، فيأخذون حذرهم منهم؛ حتى إذا جاءوا من بعيد علم العباد أنهم هم الذين يضلون الناس فيأخذون حذرهم، حينئذ سيكون هذا كلاماً مردوداً، أو يجعل الرسل يصلون إلى صدور الناس، ويزينون طاعة الله لهم، كما يوسوس الشيطان وذريته لهم، ويزين لهم المعصية، وهذا أيضاً من العنت.

كذلك لا ينبغي لأحد أن يقول: لم سلط الله الكفار على الرسل في الدنيا؟ أليس الله قادراً على أن يجعل مع النبي ملكاً من أول لحظة، حتى إذا آذى شخص النبي قتله الملك؟ أليس الله قادراً على هذا؟ لو أن أهل مكة أطبقوا على مخالفة أمره عليه الصلاة والسلام فقام ملك الجبال وأطبق عليهم الأخشبين.

أليس هذا ممكناً؟

الجواب

نعم.

لكن هذا مخالف للسنن يا إخواني! كذلك الله قادر على أن ينجحك من غير أن تذاكر، لكن هذا مخالف للسنن، والله قادر على أن يوفقك في الامتحان دون أن تنظر في الكتاب ولا أن تحضر المحاضرات؛ لأنه على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، قادر على أن يجعل المرأة رجلاً والرجل امرأة، قادر على أن يجعل السماوات والأرض في بيضة، لكن كل هذا مخالف للسنن؛ فلم يفعله الله عز وجل، وحذرنا أن نسأل مثل هذه الأسئلة؛ لأن هذا هو الضلال بعينه.