للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم من قال: لم مكن الله لأعدائه في البلاد بالقوة والعتاد وأمر أولياءه أن يقاتلوهم]

قال: [وخصلة أخرى من الخصال التي نهينا عنها: أنه لا ينبغي لأحد منا أن يتفكر لم مكن الله لأعدائه في البلاد؟] هذه من المسائل التي أمرنا بالإمساك عنها.

قال: [لم مكن الله تعالى لأعدائه في البلاد وأعانهم بقوة الأبدان ورشاقة الأجسام وأيدهم بالسلاح والدواب، ثم أمر أنبياءه وأولياءه أن يعدوا لهم السلاح والقوة، وأن يحاربوهم ويقاتلوهم، ووعدهم أن يمدهم بالملائكة، ثم قال هو لنفسه: إني معكم على قتال عدوكم، وهو قادر على أن يهلك أعداءه من وقته بأي أنواع الهلاك شاء من غير حرب ولا قتال، وبغير أنصار ولا سلاح].

هذا الكلام وارد، بل هو من عقيدتنا، فالله تعالى قادر على أن يهلك من في الأرض، ويجعلها ملساء جرداء بفعل منه سبحانه وتعالى، فلم يمكن الله تعالى لهؤلاء الكفار، ويمدهم بالسلاح والعتاد والقوة ورشاقة الأجسام وغير ذلك، ويجعل المؤمنين ضعفه أذلة قلة ويأمرهم بإعداد ما استطاعوا؟ هذه المسألة في قمة الأهمية، فهي مسألة اعتقادية.

إن الله تبارك وتعالى مكن للكفار في البلاد، ومكن لهم عن طريق السلاح والعدد والعدة وغير ذلك، ولم يأمرنا الله تبارك وتعالى أن نعد للقتال مع الكفار بنفس ما هم عليه من إعداد، وإنما قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:٦٠]، فإعداد العدة سبب لابد منه، وأنتم تعلمون أن الاعتماد على السبب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب مخل بتوحيد الله عز وجل.

فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نعد لأعدائنا ما استطعنا، ولم يأمرنا أن نعد لهم كما أعدوا هم، وإنما جعل ذلك على قدر استطاعتنا، والله تبارك وتعالى لا يحاسبنا على ما هو فوق قدراتنا وطاقاتنا، وإنما يحاسبنا على ما أمرنا به من توخي الحذر وإعداد ما في استطاعتنا ومقدورنا، وبعد ذلك الله تعالى معنا ونصيرنا، وإذا كنت تريد أن توجه هذا السؤال الآن في مواجهة اليهود في فلسطين أو في غيرها من سائر البلدان الإسلامية في العالم كله فلابد أن نرد عليك بنفس

السؤال

لم لم يمكن الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في مكة؟ ولم لم يمكن له في غزوة أحد أو في غيرها من الغزوات التي أوذي فيها النبي عليه الصلاة والسلام؟

الجواب

لأن هذه سنن ربانية في الكون لابد من إتمامها لحكمة عظيمة جداً.

علمها من علمها وجهلها من جهلها.

قال: [فلو كان هذا من أفعال العباد وأحكامهم لكان جوراً وفساداً أن يقوي أعداءه على أوليائه، ويمدهم بالعدة، ويؤيدهم بالخيل والسلاح والقوة، ثم يندب أولياءه لمحاربتهم]؛ أي: ثم يدعو أولياءه لمحاربتهم، تصور لو أن دولة اليمن أو عُمان أو غيرها من البلدان الصغيرة جداً التي لا جيش لها، أمر الحاكم فيها أهل بلده أن يدخلوا في حرب ضروس مع إيران؛ فهل الكفة متعادلة؟

الجواب

ليست متعادلة نهائياً، ويغلب على الظن أن النصر لإيران، فلما أدخل أنا الآن في حرب وأنا على يقين أنني خسران فأنا إنسان مجنون لست عاقلاً ألبتة، هذا في أفعال العباد.

أما في أفعال الله عز وجل فالأمر يختلف والموازين تختلف تماماً؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أمرك أن تقاتل عدوك وهو أكثر منك عدداً وعدة، وقد جعل الله تبارك وتعالى لك ملائكة مؤيدين، كما أن الله تعالى معك يسددك ويؤيدك وينصرك ويقويك، وهو تبارك وتعالى في الوقت نفسه ضد أعدائه وخصم لهم، والحرب بين الله تعالى وبينهم، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْداً} [الطارق:١٥ - ١٦].

إذاً: الحرب معلنة ومنشورة بين الله تعالى وبين أعدائه، ومن كان الله معه لا يغلب قط، حتى وإن هزم في نظر الناس فإنه ليس عند الله مهزوماً؛ لأن المؤمن يدور أمره في القتال بين أمرين: إما النصر وإما الشهادة، وكلاهما خير، وكلاهما مراد العبد من هذا القتال، فإذا كان الأمر هكذا في أفعال العباد فلا شك أن هذا ظلم وجور، أما في أفعال الله عز وجل فهو عدل وحكمة.