للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض اعتراضات الملحدين على قدر الله والجواب عليها]

الجاهل الملحد المعترض على الله عز وجل في أمره والمنازع له في ملكه يقول: كيف قضى الله علي بالمعصية ثم يعذبني عليها؟ وأحياناً يورد الواحد منا في ذهنه هذا

السؤال

لم لم يهد الله فلاناً وهو قادر على هدايته؟ وإذا كان ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يملك الضلال وهو الذي أوجبه على هذا العبد فلم يعذبه مادام أنه هو الذي فرضه عليه؟ وهذا السؤال من أعظم أوجه الإلحاد، والذي يسأل هذا السؤال لا علم له بالإيمان بالقضاء والقدر أبداً؛ لأنه لو علم مراتب القدر أو بعضاً مما ذكرناه فلا يمكن أن يخطر بباله هذا السؤال.

ويقول: وكيف حال بين قوم وبين الإيمان؟ وكيف يصليهم على ذلك في النيران؟ ثم يعترض عليه في هدايته لأنبيائه وأصفيائه وأوليائه، فيقول: لم خلق الله آدم بيده، وأسجد له الملائكة؟ ولم اتخذ إبراهيم خليلاً وآتاه رشده من قبل؟ ولم كلم الله موسى تكليماً؟ ولم خلق عيسى من غير أب وجعله آية للعالمين وخصه بإحياء الأموات، وجعل فيه الآيات والمعجزات؛ من إبراء الأكمه والأبرص وأن يخلق من الطين طيراً؟ تعالى الله عن اعتراض الملحدين علواً كبيراً.

ونحن نقول: إن لله المنة والشكر فيما هدى وأعطى، وهو الحكم العدل فيما منع وأضل وأشقى، يعني: بحكمة الله عز وجل وعدله أشقى فلاناً ولم يظلمه؛ لأن الله تعالى منزه عن الظلم، فله الحمد والمنة على من تفضل عليه وهداه، وله الحجة البالغة على من أضله وأشقاه.

قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات:١٧]، فالهداية بيد الله عز وجل.

فقوله: ((يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أي: الإسلام أنت لا تملكه، {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:١٢٥].

فالذي شرح صدرك للإسلام هو الله، فهو الذي هداك إليه، فلا تمن على الله بأنك مسلم، بل هو الذي يمن عليك بهذا الإسلام والإيمان؛ لأنه هو الذي شرح صدرك إليه ووفقك لاتباع الإسلام وقبول الإيمان، فهو من عند الله، والله تعالى هو الذي وفقك إليه وإلى الإيمان.

وقال أهل النار: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:١٠٦]، فحتى أهل النار يوم القيامة سيعترفون أن هذا الشقاء بسبب أفعالهم هم، فلن يقولوا: ربنا غلبت علينا شقوتك لنا وإضلالك لنا؛ لأنهم نسبوا الشقاء إلى أنفسهم بسبب أفعالهم الكفرية واعتراضهم على الله عز وجل {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون:١٠٦]، يعني: بسبب الضلال أوجب الله تبارك وتعالى عليهم في الآخرة الشقاء في النار.

وكما قال تعالى عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠].

وهم قد سمعوا وعقلوا، ولكنهم سمعوا سماع إعراض، بل كانوا يجلسون ويسمعون القرآن والنبي يقرؤه في الكعبة عليه الصلاة والسلام، فيضحكون ويتمايلون ويتبخترون ويستهزئون بكلام الله عز وجل وبدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، فاستحقوا بذلك أن يكونوا في أصحاب السعير.

والكفر له أئمة، كما قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة:١٢].

وكما أن للهداية أئمة فكذلك للضلال أئمة.