للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب اتباع كتاب الله وسنة نبيه والوقوف عند أمرهما ونهيهما]

ثم يقول: [ونحن الآن وبالله التوفيق نذكر الحجة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعين الله تعالى على ذكره].

يعني: سيذكر من سنة النبي عليه الصلاة والسلام ما يبين أن الهداية والضلال بيد الله وأن الشقاوة والسعادة بيد الله، وأن الجنة والنار مخلوقتان لله، وأن الخير والشر من عند الله، وأن الله تعالى هو الذي يوفق عباده لطاعته، ويهديهم ويمن عليهم بالإيمان، وأن الله تعالى هو الذي هدى قوماً من عباده إلى الضلالة، ويسر لهم سبل الضلال، ثم هو في الآخرة يجزيهم جهنم وساءت مصيراً، غير ظالم لهم.

قال: [فإن الحجة إذا كانت في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فلم يبق لمخالف عليهما حجة إلا بالبهت والإصرار على الجحود والإلحاد]، يعني: العلم قال الله قال رسوله.

هذا الدين، ليس قول من يلعب بعقلك ورأسك بقال فلان وقال علان من أهل الوجاهة ومن أهل العلم، فإن من دون النبي عليه الصلاة والسلام ليس معصوماً، فهو يقبل الخطأ والصواب، وما دام الشأن في عباد الله الخطأ والصواب، وأنهم غير معصومين، فلا نستبعد عن أحد الخطأ مهما بلغ قدره من العلم، لكن كيف نخطئ أحمد بن حنبل أو ابن تيمية أو الشافعي أو هؤلاء العظماء من فحول العلم وأئمة المسلمين إذا خالفوا كتاباً أو سنة باجتهاد غير سائغ؟ للاجتهاد السائغ وغير السائغ أصول وآداب وأحكام.

وأنتم تعلمون أن مالكاً وهو أحد الفحول يقول: كل الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر.

وأشار إلى قبره عليه الصلاة والسلام، وكأنه ينقد على نفسه وعلى من سبقه من أهل العلم كـ أبي حنيفة وأئمة التابعين وأتباع التابعين، يقول عنهم جميعاً: إنهم يقبلون الخطأ والصواب، لكن التخطئة والتصويب لا يكونان إلا لشخص له في العلم باع طويل وعلم مداخل أهل العلم.

أما علمتم أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أتاه جبريل عليه السلام يسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان والشرع، وفي كل مرة يقول له: صدقت صدقت، قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه؛ وذلك لأنه ليس من شأن الجاهل أن يصدق ما علمه، فجبريل عليه السلام لما كان عنده من العلم ما عنده قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (صدقت)؛ وذلك لأنه وافق ما عنده من علم -أي: من وحي السماء- فصدقه على ما قال؛ ولذلك أئمة العلم قديماً ما كانوا يتصدرون للتدريس والفتوى إلا بعد أن يجيزهم العلماء وليس الطلبة، لكن مشائخ هذا الزمان الذين يرفعونهم ويصدرونهم هم الطلبة، لكن هذا انتكاس في طريق الصحوة؛ لأن الأصل ألا يتصدر أحدهم إلا أن يجيزه العلماء والمشائخ الكبار، والواحد في هذا الزمان يجيز نفسه ويتصدر، ولا يجد مساراً يتصدر به إلا الشتائم والسباب والتهكم على أهل العلم، وعلى المجاهدين في شرق الأرض وغربها، ويتخذ ذلك ذريعة للظهور، وحب الظهور يقصم الظهور كما يقولون.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تطلبوا العلم لتماروا به السفهاء، ولا لتجادلوا به العلماء، فمن طلبه ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء فالنار النار)، تهديد ووعيد، فلابد من الإخلاص لله عز وجل في القول والعمل، ولابد أن يندم المرء أشد الندم ويتحسر أشد الحسرة.

ولذلك قال أبو علي الأبار فيما أورده الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته: رأيت رجلاً تجاوز البحار حتى دخل في بلاد الأهواز، فقد حف شاربه وأطلق لحيته واشترى كتباً، وتعين للفتوى، يعني: عين نفسه إماماً ومفتياً، فلما جلس قيل له: ماذا تقول في أصحاب الحديث؟ قال: ليسوا بشيء ولا يساوون شيئاً؛ فقام إليه رجل من أصحاب الحديث قال: يا فلان! إن مثلك كمثل رجل أوجب الله تعالى عليه أن يصلي الظهر أربعاً، والعصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، والعشاء أربعاً، والفجر ركعتين، ليس لك إلا ذلك، قال: أنا؟ قال: نعم.

أنت، ماذا تحفظ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحرمت بالصلاة قبل قراءة الفاتحة؟ فسكت.

قال: ماذا تحفظ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغت من التسبيح في الركوع؟ فسكت.

قال: ماذا تحفظ إذا قلت: سمع الله لمن حمده؟ فسكت، قال: ماذا تحفظ إذا سجدت وفرغت من التسبيح؟ فسكت.

قال: ماذا تحفظ إذا جلست بين السجدتين؟ فسكت.

قال: ماذا تحفظ إذا فرغت من التشهد وقبل أن تسلم؟ فسكت.

قال: أما قلت لك: إن مثلك كمثل رجل أوجب الله تعالى عليه أن يتعلم كيف يصلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم تركه وانصرف.

فهكذا إنسان لا يجد طريقة للشهرة والسيادة والإشارة بالبنان إلا بالنيل من أعراض العلماء، وبالحط من أعمال المجاهدين، وهذا بلا شك مسلك في غاية الخطورة، وهو يجعل طلاب العلم وشباب الصحوة في بلبلة عظيمة جداً؛ ولذلك إذا أردت أن تريح نفسك وأن تريح غيرك فاعلم أن لطلب العلم أصولاً لا يمكنك الحياد عنها، وأن من حاد عنها فقد تنكب الطريق، هذه الأصول هي مصدر التلقي عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن الصحاب