للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحجة في تعدد الزوجات ولمن يكون، وضوابط التعدد، وحكم الطلاق]

السؤال

ما الحجة في تعدد الزوجات؟

الجواب

الحجة كتاب الله عز وجل وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وفعله، وفعل الصحابة والسلف إلى يومنا هذا، وليس هناك حجة أفضل من ذلك.

وأنا عندما تكلمت في مؤتمر مسجد العزيز وعلقت تعليقاً سريعاً عن تعدد الزوجات استاء الناس مني، ومن سوء الأدب الشديد جداً أن يتكلم رجل في مسألة فيتلقفها المستمع ويؤولها حسبما يراه، فأنا عندما تكلمت في مؤتمر العزيز عن الطلاق وأنه شريعة الله عز وجل قلت: الطلاق الأصل فيه المنع والحظر، وبينت بالدليل أن الأصل في النكاح الدوام والاستمرار والطلاق طارئ عليه، وهو استثناء له من البقاء، ولذلك لا يصار إليه إلا لعلة، وبعد استنفاد الوسائل المشروعة في قيام البيت، وكما يقال: آخر الدواء الكي، أي: أننا لم نتزوج لنطلق، وإنما تزوجنا لنستمر، ويقطع هذا الاستمرار علة قوية لا ينفع معها البقاء.

فلابد من اختيار الزوجة على أصل سليم، وتربيتها على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وتعليمها وتثقيفها بأمر دينها وحق زوجها، ولو دفع ما دفع من المهر.

وليست هذه هي القضية، وإنما القضية الآن أن البيت الواحد الذي يعيش في مستوى الدون يصرف أهله في اليوم عشرة جنيهات، أي: ثلاثمائة جنيه في الشهر، وممنوع أن يطرق الضيف الباب؛ لئلا تختل الميزانية.

فلا يصح أن أقول لشخص دخله مائتي جنيه في الشهر وهو متزوج وعنده ثلاثة أو أربعة أولاد يفطرون فولاً ويتغدون فولاً ويتعشون فولاً: إن عليك الزواج مرة أخرى، ولو لم تتزوج فأنت آثم ومكذب للقرآن والسنة.

وبعض الناس كتب كتباً يقول فيها بوجوب تعدد الزوجات، وعندما يقرأ شخص هذه الكتب يتزوج حتى ينجو من الإثم، ثم يتابع الزواج بعد ذلك، ثم يفاجأ بواقع مرير، فهو يتقاضى مائتي جنيه أو ثلاثمائة أو حتى خمسمائة جنيه، وهذا المبلغ لا يقيم بيتاً، ولو افترضنا أن هذا يقيم في بيت وعنده أربعة أولاد في المدرسة، وكل ولد مصروفه في كل يوم نصف جنيه في المدرسة، واثنين أو ثلاثة جنيه للإفطار فهذا المبلغ لن يكفي الأولاد عشرة أيام في الشهر، فإذا تزوج امرأة أخرى فكيف سيصنع معها ومع أولادها ومع استئجار بيت لها.

ويعلم الله عز وجل أنني دائماً أنصح من يريد الزواج والظروف تسمح له بذلك بالزواج.

ولا يحل للشخص المدين والمغرق في الدين الزواج.

والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر الشباب)، والمعلوم من الخطاب لأول وهلة أنه للزواج الأول، فلم يقل له: يتوكل على الله إذا كان ليس له دخل، ولم يقل له: اذهب وتزوج صاحبة المغزل كما في الحديث الموضوع الذي يحتجون به، فإذا كانت الباءة والقدرة عليها مشروطة في الزواج الأول فمن باب الأولى أن تكون مشروطة في الأنكحة المتعاقبة أو المتعددة.

وأقسم بالله العظيم أن هناك اثنين وعشرين بيتاً مسجلين عندي في دفتر الذي انهار منهم قد انهار والذي لم ينهر على وشك الانهيار؛ بسبب أنه صدق بوجوب التعدد، وهناك شخص يعيش أصلاً على أموال الصدقات والزكوات وينتظر الصدقة من الناس، ثم فوجئت بأنه تزوج الثانية، فلما نصحناه قال: أبو الأشبال يحارب التعدد، وهو الآن بصدد طلاق امرأتيه، وهذا مثل شخص من أصحابنا تزوج امرأة واختلف معها فقال: لابد أن أؤدبها وآتي بامرأة أخرى، فاتفقتا، فتزوج الثالثة فاتفقن على غير قياس، فتزوج الرابعة فاتفقن على غير قياس، فترك الأربع وذهب إلى أمه.

وهناك أمثلة كثيرة جداً من المحيط الذي نعيش فيه، وأصحابه يندمون ندماً كبيراً جداً.

وقوله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢]، هذا في النكاح الأول.

والفقير هو الذي له دخل لا يكفيه، وهو درجات، فذكر في الآية أنهم فقراء، وليس معنى ذلك أنهم معدمون مساكين ليس لهم شيء، بل إن لهم دخلاً، فالله تبارك وتعالى يغنيهم إن شاء الله من فضله، هذا في الزواج الأول، وزواج الثانية والثالثة والرابعة لمن كان غنياً يقدر أن يفتح بيتاً واثنين وثلاثة وأربعة، والزوجة الواحدة لا تكفيه، وكانت حاجته إلى النساء شديدة، فله أن يتزوج، وأي إنسان مجنون وليس عاقلاً فقط يقول له: يتزوج.

والإمام أحمد بن حنبل لم يتزوج المرة الأولى إلا في سن الأربعين حرصاً على طلب العلم، ولا زلت أسمع أهل العلم وآخرهم الشيخ الألباني عليه رحمة الله يقول: لا أحب تعدد الزوجات لطالب العلم حرصاً على طلب العلم، وأنا أقول هذا الكلام، وأقول: إذا غلب على ظنك أنك لا تعدل بين الزوجتين لم يجز لك تعداد الزوجات، فهذه كلها قيود وشروط.

وهذا الذي يدعو إلى تعدد الزوجات يذكر الأمر بغير هذه القيود والشروط، وأنت إذا أردت التكلم عن هذه المسألة فعليك أن تأخذها من جميع جوانبها وشروطها وقيودها، فإذا سمعها شخص قال: أنا لست من أهل التعدد، فأنا أحب امرأتي جداً جداً جداً، ولا يمكن أن أستغني عنها، ويغلب على ظني أني لو تزوجت مرة أخرى فسأظلمها، ولو سمعها رجل فقير جداً لقال: يكفيني واحدة فقط، ويعرف أ