للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قاعدة في الحكم على الأشخاص]

أيها الإخوة! إن الحكم على الأشخاص يستلزم دائماً نظرة عامة له من جهة العلم والعمل، فلا يحكم على إنسان بأنه ضال لمجرد وقوعه في الضلال، ولا يحكم عليه بالاستقامة لمجرد أنه وجد متلبساً بعمل طاعة، بل لابد من نظرة شاملة عامة لما هو عليه من علم وعمل، وأقصد بالعلم الاعتقاد، فالعلم دائماً يطلقه أهل العلم الذين تكلموا في السنة على الاعتقاد، والسنة كذلك إنما تعني الاعتقاد، فإذا كان المرء من جهة العلم والاعتقاد والدعوة على السنة، وكان عاملاً بهذا العلم ويجري هذا العلم على جوارحه فإنه بلا شك على استقامة وإن تلبس بمعصية، وإن وقع في بعض البدع سواء من بدع الاعتقاد أو العمل، أما إذا كان المرء الأصل فيه الانحراف والزيغ والضلال فلا يحكم عليه بالصلاح والتقوى لمجرد أنه قائم بالليل أو صائم بالنهار، أو يصلي في اليوم ألف ركعة؛ لأن الأصل فيه الفساد من جهة العلم والعمل كذلك، فلابد للحكم على الآخرين من نظرة عامة شاملة، فلا يحكم عليه بعدم الصلاح لكونه مثلاً زنى، أو سرق، ولست بذلك أهون من شأن هذه الكبائر والمعاصي، بل أقول: إن هذه المعاصي والكبائر وقعت من سلف الأمة ومن صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام حد الزنا على بعض أصحابه، كما أقام حد السرقة على بعض أصحابه، والحدود إنما وردت للأمة بأسرها، والمخاطب بها أولاً هم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا زنى أحد صحابة النبي عليه الصلاة والسلام فلا يعني هذا أنه فاسد، وأنه خارج عن حد الصحبة وعن حد قول الله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:١١٩]، بل هذه لحظة ضعف تسلط فيها عليه الشيطان، ولا يخرج بهذا عن صلاحه، وإنما نقول: إنه كان غافلاً ساهياً، فتسلط عليه الشيطان فأوقعه في حبائله وفي معاصي الله عز وجل ومحارمه، وأما غيره -أي: غير الصحابة من الأمة- فإن الذي يأتي بهذه الكبائر والمعاصي فلا شك أنه فاسق بكبيرته مؤمن ببقية أعماله العلمية والعملية.

وفي خطبة الجمعة الماضية في مسجد العزيز تكلمت عن الشيعة وانتشارهم في هذه البلاد، وأن أحدهم يقرر أن الشيعة بلغوا ستة ملايين شخص في مصر، وبصرف النظر عن صحة هذا الكلام أو عدم صحته أقول: إن العبرة بصحة ما أنت عليه من عمل، وليس بكثرة الأتباع، ولكن العبرة بموافقة ذلك للحق والإخلاص لله عز وجل.

وأقول بهذه المناسبة: إن طلق بن حبيب كان من أعبد الناس بالبصرة وأبر الناس بوالديه، ولكن هذا لا يعني أنه على الحق، ولا شك أن العبادة وبر الوالدين أمران ممدوحان، ولكن توفرهما في شخص لا يلزم منه أن يكون بالضرورة صالحاً من جميع الوجوه.

فتكلمت عن الشيعة وسوء معتقدهم، وقد تناولنا منذ عدة سنوات معتقد الشيعة في هذا المسجد بتفصيل لم نتناوله في غيره من بيوت الله عز وجل، فقام أحد الأشخاص لا أدري أهو جاهل أو مغرض أو غير ذلك فقال: أنت تسب الشيعة وتقول: عليهم من الله ما يستحقون، ويكفي أن الإمام الخميني هو الذي وقف من حكام المسلمين بجوار العراق، ويكفي أنه الذي رصد مليون دولار لمن يقتل سلمان رشدي، وله مواقف محمودة جداً.

وأقول: نعم هذه مواقف محمودة، والله تعالى يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

فالعمل الصالح صالح وإن أتى من الكافر، ولو أن يهودياً اتصف بإكرام الضيف لحمد له هذا، ومن الظلم البين عدم احترامه واعتباره في هذا الباب؛ لأن هذا من مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، بل وجعلها شعبة من شعب الإيمان، لكن لا يقبل هذا عند الله إلا بعد الإيمان إذا صدر من الكافر، فكون خميني إيران رصد مبلغاً من المال لفلان أو أنه وقف بجانب فلان ليس له ثمرة، ونحن نعتقد أن الذي حدث من خالد الإسلامبولي ليس موافقاً للشريعة، وإذا كان موافقاً فليس له ثمرة جنتها الصحوة الإسلامية، بل تأخرت مائة عام، والذي سبق خير من الحادث، وإن اشتركا في كثير من الباطل، وأظن أن الذي عاصر ذلك الوقت يقول اليوم: يا ليت يوماً واحداً من أيام السابق يعود، فقد كان الواحد منا يرتع بالليل والنار، ويجوب محافظات مصر بحرية، فإذا سمع بمحاضرة للشيخ الفلاني في البحر الأحمر ذهب إليها دون أن يستوقفه أحد، واليوم لا تستطيع أن تزور أبويك في الفيوم مثلاً إلا واستوقفك غير واحد على الطريق ويحاكمك، فأيهما خير هذه الأيام أم الأيام السابقة؟ وما حدث هذا إلا بسبب الخروج.