للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم العمل وتركه في الإيمان]

لو قلنا: إن العمل ركن مجمل في الإيمان فهذا كلام لطيف، والركن هو ما كان داخلاً في ماهية الشيء، فيصح الشيء بصحته ويبطل بإبطاله، فهو داخل في ماهية الشيء، كالركوع في الصلاة مثلاً، فلا تصح الصلاة بغير ركوع، سواء تركه المرء عامداً أو جاهلاً أو ناسياً.

هذا تعريف الركن عند الأصوليين.

وماهية الشيء: أصله وذاته، فيبطل الشيء بترك ركنه عمداً أو سهواً أو جهلاً، ودائماً الذي تربى على مذهب واحد في قضية ما يصعب عليه أن يتعايش مع القضايا الأخرى، وإذا كان الخلاف بين أهل العلم معتبراً فأرجو أن يكون عندك معتبراً، والذي يترجح لدي في تارك الصلاة أنه كافر، وهذا هو الذي تخدمه الأدلة، ولكني لا أكفر إلا من ترك الصلاة بالكلية، وأما الذي يأتيها أحياناً ويدعها أحياناً فإنه وإن كان على خطر عظيم لكني لا أجرؤ على تكفيره، هذا إذا كنت تريد أن تسمع رأيي في القضية، وأما إذا كان الأمر لا يعنيك فهو كذلك لا يعنيني إن شاء الله.

فمجمل العمل ركن في الإيمان، بمعنى: أن المرء لو ترك العمل كله لكفر، وهذا هو كلام الحميدي الذي نقلته، قال الحميدي: أجمع العلماء على أن من ترك الخمس كفر.

وأنا أيدت الحميدي، وهذا هو كلام ابن تيمية، فالرجل الذي يصلي الصلوات الخمس مؤمن، وكلما صلى كلما ازداد إيمانه، فإن كان لا يصلي السنن الراتبة ولا النوافل وغيره يصلي الخمس مثله ويحافظ على السنن الراتبة والنوافل فالذي يصلي الرواتب والنوافل أعظم أيماناً منه، فزيادة الإيمان هنا ترتبت على العمل، لكن العمل منه ما هو فرض ومنه ما هو مستحب، والكمال الواجب في الإيمان هو الذي لا يسع المؤمن تركه، ويمكن أن نقول عنه: إنه المفروض، أو أصل الإيمان.

ولو أن شخصاً الآن يصوم رمضان دائماً، وآخر يصوم رمضان ويصوم الإثنين والخميس والثلاثة الأيام البيض من كل شهر وغير ذلك من الأيام، وثالث يصوم يوماً ويفطر يوماً -وهذا خير الصيام وهو صيام داود عليه السلام- فإن الثالث أعظم إيماناً، وهذا بلا خلاف بيني وبينك، والثاني أعظم إيماناً من الأول، وقد أتت زيادة الإيمان من النوافل، وزيادة الإيمان هنا متعلقة بالإيمان المستحب، ونحن لا نختلف في هذا.

وتسمية ابن تيمية للإيمان بالإيمان الواجب والإيمان المستحب هذا محل اجتهاد، فلك أن تسمي الكمال الواجب بأصل الإيمان أو فرض الإيمان، خاصة إذا كان هذا فيما يتعلق بمجمل العمل وعمل الفرائض، وأما عمل المستحبات فلا خلاف بيني وبينك -كما لا خلاف بيننا وبين ابن تيمية - أنه متعلق بالكمال المستحب.