للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة وغيرهم]

قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) استدل به بعض الناس على إخراجه من الإيمان مطلقاً وأبقوا له الإسلام، وبعضهم قال: بل ينتفي عنه الإيمان في لحظة الزنا ثم يعود إليه فور انتهائه من الزنا، وهذا الرأي التزام بظاهر النص (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، يعني: ينزع عنه اسم الإيمان -وهو اسم المدح- حين المعصية، ثم يعود إليه اسم المدح بعد انتهائه من المعصية.

والخوارج يقولون: بل يكفر بهذا الذنب، لأن الخوارج أو غلاة الخوارج عندهم أن مرتكب الكبيرة كافر خارج عن الملة، والمعتزلة عندهم أن مرتكب الكبيرة لا كافر ولا مؤمن، وإنما هو في منزلة بين المنزلتين بين الإيمان والكفر.

ومن عجيب أقوالهم أنهم يقولون: هذا حكمه في الدنيا، وأما في الآخرة فإنه مخلد في النار، مع أن المقطوع به عند أهل السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار إلا الكفار سواء كان كفرهم كفراً أصلياً أو ردة أو نفاقاً، وأما الزنا فمع بشاعته وجرمه ونفور النفوس الطيبة عنه إلا أنه من جهة حكمه الشرعي كبيرة، وصاحب الكبيرة عند أهل السنة والجماعة إن تاب منها تاب الله عز وجل عليه بغير حد، وإن رفع أمره إلى السلطان واعترف أو أقيمت عليه البينة وأقيم عليه الحد فالحد كفارته؛ لأن الحدود كفارات لأهلها.

وإذا مات من ذنبه -أي: مات وهو مذنب مصر على ذنبه- وهو غير مستحل له فهو في مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، كما في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨].

وهذا قطع، فالله عز وجل لا يغفر الشرك مطلقاً إلا إذا تاب صاحبه منه، فإذا مات عن غير توبة فإنه لا يغفر له شركه، بل هو من المخلدين في نار جهنم، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:٤٨].

وكلمة ما دون ذلك تشمل الكبائر والصغائر، ولكن هذا مرهون ومعلق على مشيئة الله، يعني: إن شاء الله تعالى عذبه بعدله، وإن شاء سبحانه وتعالى عفا عنه بفضله.

فصاحب الكبيرة بل وصاحب الصغائر هو في مشيئة الله عز وجل إن لم يتب قبل موته.

ومن ارتكب كبيرة وهو مستحل لها عالم بحرمتها خرج من دائرة الإسلام، فمن علم أن القتل كبيرة، وعلم أدلة هذا العمل الشنيع البشع، ولكنه أقدم على قتل صاحبه استحلالاً، يعني: وهو لا يعتقد أنه يأتي معصية، وإنما يفعل ذلك مستحلاً، كأن يقال له: إن هذا الدم حرام، فيقول: لا، بل هو حلال، فكأنه عاند وجحد، فمن استحل ذنباً كبيراً فلا شك أنه يخرج به من دائرة الإسلام إلى الكفر.