للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام ابن عباس في القول بنسخ الحكم بخلود قاتل المؤمن في النار]

قال: [وجاء إلى ابن عباس رجل فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها]، أي: لما تقدم لها غيره رضيت بذلك وقبلت ووافقت، فغار عليها مع أنه ليس خاطباً ولا عاقداً ولا قريباً لها، فلما غار عليها قام إليها فقتلها، وهذا حب أعمى.

قال: [قال ابن عباس: أمك حية؟ قال: لا.

قال: تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه].

وابن عباس من صغار الصحابة، فقد ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، في شعب من شعاب قريش قبل هجرة النبي عليه السلام بثلاث سنين، وصغار الصحابة هو وعبد الله بن عمر والبراء وأنس بن مالك وغيرهم لما كانت غزوة بدر لم يكن سنهم بلغ الخامسة عشر، ولذلك لم يجزهم النبي عليه الصلاة والسلام في القتال، لأنه ما كان يجيز من كان أقل من سن خمسة عشر عاماً، ابن عباس كان أصغر منهم جميعاً.

ولما جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن ابن عباس نبت له، يعني: كان صغيراً لم ينبت له شعر، فالنبي عليه السلام مات وعند ابن عباس ثلاثة عشر عاماً فقط، وكان طفلاً أو غلاماً ذكياً جداً ببركة دعوة النبي عليه الصلاة والسلام له، فلما سأل عمر كبار المهاجرين والأنصار عن معنى قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:١ - ٣] أجمعوا كلهم على أن المقصود بها فتح مكة.

فلما جاء الدور على ابن عباس قال: ما أرى إلا أن الله تعالى نعى إلينا رسوله، فقال أمير المؤمنين: وأنا والله لا أرى منها إلا ما ترى يا ابن عباس! قال: [وعن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:١١٠]-ولا شك أن القاتل قد عمل سوءاً وقد ظلم نفسه- قال: أخبر الله تعالى عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنباً صغيراً أو كبيراً].

ولم يقل له ابن عباس: كفرت، أو وجبت لك النار.

ونحن نعلم أن هذه المسألة - أي: مسألة قتل المؤمن عمداً - خالف فيها ابن عباس جميع الصحابة، فقال بأنه في النار خالد مخلد فيها أبداً، وقال جمهور الصحابة: بل قتل المؤمن كبيرة من الكبائر، وتأخذ حكم الكبيرة، فإذا أقيم عليه الحد أو تاب منها أو مات ولم يتب فإنه في مشيئة الله عز وجل.

والشاهد من ذلك: أن ابن عباس اجتهد في أول أمره في حكم قاتل المؤمن عمداً فقال بخلوده في النار، وأنه لا يغفر له ذلك، ثم تغير اجتهاده بعد ذلك لما وقف على قول جماهير الصحابة أو قول كل الصحابة دونه، فلما علم أن الحق معهم رجع عن قوله الأول.