للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سياق ما روي في أن المقام المحمود هو الشفاعة]

قال: قال ابن عمر: [إن الناس يوم القيامة يصيرون جُثىً، كل أمة تتبع نبيها].

(جثىً) أي: يجثون على ركبهم، كل أمة تأتي إلى نبيها، فيخرون على أقدامهم وأيديهم، يجلسون كما يجلس الطفل الرضيع ويلهث خلف أمه، فهؤلاء يلهثون خلف أنبيائهم.

قال: [(يقولون: يا فلان! اشفع لنا حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود)].

إذاً: المقام المحمود: هو مقام الشفاعة، والحديث عند البخاري.

[عن كعب بن مالك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل -أي: على مكان مرتفع- ويكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن -أي: يؤذن لي- فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود)].

[عن حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي فيقول: يا محمد! يا محمد! فأقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، تباركت وتعاليت.

قال: فهذا هو المقام المحمود)].

وقد ورد موقوفاً عن حذيفة: [يجمع الله الناس في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر حفاة عراة سكوتاً كما خلقهم، لا تكلم نفس إلا بإذنه -أي: لا يشفع أحد إلا بإذن الله تعالى- قال: فينادى: يا محمد! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والمهدي من هديت، عبدك بين يديك، ولك وإليك، لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت.

وذلك المقام المحمود الذي ذكر الله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩]].

و [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ({عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩].

قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي)] والحديث ضعيف، لكن يشهد له ما قبله.

وعند البخاري وكذا مسلم من حديث عبد الله بن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة من لحم)] لا يزال العبد يتسول ويسأل الناس في الشوارع والطرقات حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم.

أي: قطعة لحم.

وقال: [(إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن)].

وفي رواية: (قدر ميل).

قيل: هو ميل المسافة.

وقيل: هو المرود التي تكتحل به المرأة.

يسمى ميلاً.

قال: [(وإن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما كذلك -أي: بينما الناس كذلك- استغاثوا: يا نوح! فيقول: لست صاحب ذلك، ثم موسى فيقول كذلك، ثم بمحمد عليه الصلاة والسلام فيشفع، يقفز بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً)].

وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم:٣٦]، وقال عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة:١١٨]، فرفع يديه فقال: اللهم! أمتي، أمتي، أمتي وبكى عليه الصلاة والسلام، وقال الله تعالى: يا جبريل! اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فاسأله ما يبكيك، فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال -وهو أعلم- فقال الله عز وجل: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)].

فمقام الشفاعة مقام عظيم جداً، وهذا الحديث [أخرجه مسلم].

وبعد أن عرفنا أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة، نتوقف عند الحوض؛ لأن الحوض فيه كلام كثير واختلاف لأهل العلم، فيفضل أن يكون له بإذن الله تعالى درس خاص.