للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات الصحابة والتابعين لعذاب القبر وإيمانهم بذلك]

[عن ميمون بن أبي ميسرة قال: كان لـ أبي هريرة رضي الله عنه صيحتان في كل يوم، أول النهار فيقول: ذهب الليل وجاء النهار، وعرض آل فرعون على النار].

فيصيح أبو هريرة لهذا ويفزع.

[وإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار].

يعني: كان يستعيذ بالله من النار في كل صباح وعشي؛ لأنه يعلم ويوقن أن العذاب قائم وكائن لآل فرعون في هذا التوقيت، كما في قول الله تعالى: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦].

قد يقول قائل: هذا العذاب في حق الكافر؛ لأن فرعون وقومه كفار، وعذاب القبر لا يثبت إلا للكفار، ف

الجواب

أين حديث الجريد؟ وأين حديث صاحب الغيبة وصاحب البول والذي غل من الغنيمة وغير ذلك؟ وهناك من يقول: لا يوجد عذاب قبر بالمرة ولا حتى آل فرعون، فإن آل فرعون سيعذبون يوم القيامة.

و

الجواب

أن يوم القيامة شيء، وعذاب القبر شيء آخر، والدليل على ذلك قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦].

يعني: بعد الموت.

قول الله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] معناه: أن هناك عذاباً بعد البعث، وعذاباً قبل البعث، وهو أنهم يعرضون على النار وهم في قبورهم في الصباح وفي المساء، وأما يوم القيامة فشيء آخر، فعذابهم في الآخرة أشد من عذابهم في القبور، مع أنهم كانوا في قبورهم يعرضون صباحاً وعشياً على النار، لكن النار التي أعدت لهم في الآخرة أعظم، بل لا يقاس عليها عذاب القبر ولا عذاب الدنيا من باب أولى.

وقال عبد الله الداناج: [شهدت أنس بن مالك وقال له رجل: إن قوماً يكذبون بالشفاعة، قال: لا تجالسوهم، فسأله آخر فقال: إن قوماً يكذبون بعذاب القبر، قال: لا تجالسوهم] وهذا كلام عظيم لأهل العلم، فهم ينهون عامة الأمة عن مجالسة أهل البدع والزيغ والضلال.

[عن مجاهد قال: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:١٣] قال: يحرقون عليها ويعذبون].

وعن حوثرة بن محمد المنقري البصري قال: [رأيت يزيد بن هارون الواسطي في المنام بعد موته بأربع ليال، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: تقبل مني الحسنات، وتجاوز عن السيئات، ووهب لي التبعل، قلت: وما كان بعد ذلك؟ قال: وهل يكون من الكريم إلا الكرم؟ غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة، قلت له: بم نلت الذي نلت -يعني: كيف أخذت هذا؟ - قال: بمجالس الذكر -أي: مجالس العلم- وتولي الحق، وصدقي في الحديث، وطول قيامي في الصلاة، وصبري على الفقر، قلت: ومنكر ونكير حق؟ -بمعنى: أنت فعلاً رأيت منكراً ونكيراً؟ - قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، لقد أقعداني وقالا لي: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فجعلت أنفض لحيتي البيضاء من التراب، فقلت: مثلي يسأل؟ أنا يزيد بن هارون الواسطي، وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس.

فقال أحدهما لصاحبه: صدق، هو يزيد بن هارون نم نومة العروس: فلا روعة عليك بعد اليوم]، يعني: لا حزن ولا هم عليك بعد اليوم، نم إلى نعيم ورغد لا منتهى له سواء كان في قبرك أو بعد مبعثك ودخولك الجنة.

وهذا المنام وغيره من المنامات إنما هي من البشارات لأهل الإيمان، وإن كان لا يتوقف عليها حسن اعتقاد ولا سوء اعتقاد ولا تحليل ولا تحريم ولا شيء من هذا، إنما هو عاجل بشرى المؤمن في الدنيا.