للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة القائلين بعدم سماع الموتى]

أدلة القائلين بعدم السماع وهم جمهور أهل السنة: قول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:٢٢]، وهذا القول موجه لنبينا عليه الصلاة والسلام، ومن باب أولى لعامة الأمة إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يستطيع أن يسمع من في القبور، وقال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:٨٠]، فهاتان آيتان من كتاب الله عز وجل، وهناك تأويل لهاتين الآيتين بأنهما تعنيان بالكافرين وهم أحياء وتشبيههم بالموتى؛ لأن الحياة الحقيقية إنما هي حياة القلب وحياة الإيمان، لكن لا بأس بجريان هذا على الموتى من باب أولى.

والدليل الثاني: قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٣ - ١٤]، وهذا هو الدليل الثاني.

أما من السنة: فحديث قليب بدر الذي نحن بصدده، وله روايات منها حديث ابن عمر الذي ذكرناه وأخرجه البخاري ومسلم، والطريق الثاني: حديث أبي طلحة: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طوي) وهو القليب، يعني: أمر بأربعة وعشرين رجلاً فألقوا كما تلقى الزبالات على المزابل.

قال: (فقذفوا في طوي من أطواء بدر) أي: في قليب من أحفارها (خبيث مخبث)، يعني: منتن جداً، وهذا الذي يليق بأمثال هؤلاء.

قال: (وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث بعد أن وضعت الحرب أوزارها أمر النبي عليه الصلاة والسلام براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى النبي عليه الصلاة والسلام واتبعه أصحابه)، ومن أصحابه الذين اتبعوه: عبد الله بن عمر الذي روى هذا الحديث، إذ إن البعض يقول: هذا الحديث مطعون فيه؛ لأن عبد الله بن عمر لم يشهد غزوة بدر، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرجعه من غزوة بدر.

نقول: نعم.

هذه حقيقة، ولكن عبد الله بن عمر شهد الواقعة في ثالث أيام بدر، وذلك لما وضعت الحرب أوزارها رجع المشركون إلى بلادهم إلى مكة، ورجع النبي بأصحابه بعد أن وضعت الحرب أوزارها إلى المدينة، وكان منهم ابن عمر، فهذا لا علاقة له بالحرب، وإنما هذا كان بعد الحرب بثلاثة أيام.

قال: (واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم -يعني: يقول:- يا فلان ابن فلان! ويا فلان ابن فلان! ثم يقول: أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟)، يعني: أما ندمتم وتحسرتم على هذه المعاصي وعلى عنادكم وكفركم، وأنكم متم وقتلتم على الكفر والإلحاد.

قال: (فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاًّ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاًّ؟) الله تعالى وعد الطائعين الجنة ووعد العصاة النار، (فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ قال -أي: وائل بن عبد الله - يا رسول الله! ما تكلم من أجساداً لا أرواح فيها؟) يعني: ما قيمة هذا الكلام وما قيمة هذا النداء، وأنت يا رسول الله! تعلم أنهم أموات لا يسمعون؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)، يعني: هم يسمعونني كما تسمعونني أنتم الآن وزيادة، وانظروا إلى لفظة (الآن) التي وردت في حديث عبد الله بن عمر: (وقف النبي عليه الصلاة والسلام على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول) ولفظة (الآن) لها اهتمام عظيم جداً في هذه الرواية.

قال: (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).

قال قتادة وهو ابن دعامة السدوسي من كبار التابعين: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً.

انظروا إلى فهم هذا الراوي قتادة، يقول: (أحياهم الله) أي: في لحظة نداء النبي عليه الصلاة والسلام لهم الله تعالى أحياهم حياة برزخية؛ ليسمعوا تقريع وتصغير النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ لما فاتهم من الإيمان به.

ووجه الاستدلال بحديث أبي طلحة وحديث عبد الله بن عمر ما في الرواية الأولى منه من تقييده صلى الله عليه وسلم سماع موتى القليب بقوله: (إنهم الآن يسمعونني)، وهذا يدل على تخصيص السماع بوقت النداء، وأن الأصل أنهم لا يسمعون، ولكنهم يسمعون الآن؛ مع