للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوجه الأول: أن القول بأن الموتى يسمعون يؤدي إلى الشرك]

الوجه الأول: أن القول بأن الموتى يسمعون كلام في غاية الخطورة؛ لأنه يؤدي إلى الشرك، وهو ذريعة إلى الشرك، فهذه مسألة متعلقة كما قلنا بتوحيد الله عز وجل وإخلاص العبادة له وحده، ودعائه سبحانه وتعالى دون سواه، ومن المعلوم أن اعتقاد سماع الموتى هو الدافع والسبب الأقوى في وقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأصغر وهو دعاء الأولياء والصالحين، وعبادتهم من دون الله عز وجل، واعتقاد أنهم يسمعون فيستجيبون لهم، بل ويدفعون عنهم الضر ويجلبون لهم النفع.

وهناك الآن من ينادي الحسين أو البدوي أو غير ولي من هؤلاء الأولياء، ولولا أن الداعي لهذا الوثن يعتقد أن المقبور يسمعه ويستجيب له ما دعاه، ويقع في الفلاحين الطوام من هذه الأحوال، وإذا خرج صاحب الاعتقاد السليم ينكر على أهل القرية كل منهم تنصل وتبرأ منه، حتى الوالد يتبرأ من ولده مخافة أن يؤذيه ذلك الميت، ولا يكون ذلك المعتقد إلا لإثبات أنه يعتقد أنه يسمع، وأنه بيده الضر والنفع، ويشاركهم في ذلك كثير ممن ينتسبون إلى العلم قولاً وعملاً، فالطرابيش الحمراء معظمها أصحاب منفعة، فهم صناديق النذور، فلو أن أصحاب الطرابيش تركوا تقديم البراهين وقرابين الطاعة لأهل القبور واعترفوا اعترافاً جازماً بأن هؤلاء لا يسمعون ولا ينفعون ولا يضرون وغير ذلك فإنه لا حظ لهم في صندوق النذر.

وهكذا كل إنسان على قدر منزلته، وعلى قدر مكانه، وإن شئت فقل: على ضعف الإيمان في القلب، مع أن الله تعالى جعل على لسان كل نبي ورسول أرسله: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦].

فإذا تبين أن الموتى لا يسمعون لم يبق حينئذ معنى لدعاء الموتى من دون الله عز وجل، إذ لا يدعى ولا يستغاث بغير الحي سبحانه وتعالى، فهو سبحانه الذي بيده النفع والضر.

قال بعض القائلين: نظرة من الشيخ تقلب الشقي سعيداً، فيصرخ: نظرة يا بدوي! نظرة يا حسين! نقول: النظرة هذه ماذا ستجلب؟ يقول: هذه النظرة تجعل الشقي سعيداً، تجعل من إذا كان قد كتب من أهل الشقاء وأهل النار من أهل السعادة ومن أهل الجنة، ومعلوم أن هذا الشيء لا يجوز إلا لله عز وجل، وهل هناك أحد يملك الشقاء والسعادة إلا الله عز وجل، فالذي يملك ذلك هو الله، وصرف ذلك إلى غير الله شرك أكبر، وإنهم ليعتقدون أن الكون إنما يتصرف فيه المشائخ والأقطاب والأوتاد والمدرسون وغيرهم، والله تعالى يقول لنبيه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف:١٨٨] ومعنى (إلا) هنا: لكن.

أي: لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً لكن الله يملك ذلك، فمعنى الآية: قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً لكن ما شاء الله أن ينفعني نفعني وما شاء أن يضرني ضرني، فـ (إلا) هنا بمعنى: لكن.

وهناك كتاب باطل جداً، كله خرافات وخزعبلات اسمه: (شواهد الحق بالاستغاثة بسيد الخلق) لـ يوسف النبهاني، ويوسف النبهاني رجل قديم ومعروف بسلوكه وتصوفه وغير ذلك، وفي هذا أعظم وازع وأبلغ زاجر لمن صار ديدنه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاستغاثة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله تعالى، وكذلك من صار يطلب من الرسول ما لا يقدر على تحصيله إلا الله، فإن هذا مقام رب العالمين، الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم وهو الذي يميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء أو ملك من الملائكة أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه بنفسه؟ يعني: كيف أطلب أنا من ميت لا يملك -وهو حي- النفع والضر بنفسه، فضلاً أن أطلبه أنا منه وهو ميت؟ هذا أمر محال! كيف يفعل ذلك ويترك الطلب من رب الأرباب القادر على كل شيء، الخالق الرزاق، المعطي المانع؟ وحسبك ما في الآية من موعظة، فإن سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده: {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا} [يونس:٤٩] فكيف يملكه لغيره؟ أو كيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزلته لا تبلغ منزلته فضلاً أن يملكه غيره؟ فيا عجباً لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى لا إله إلا الله، ولمعنى: قل هو الله أحد؟ وأعجب من هذا: اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء دون النكير عليهم، بل وأعجب من ذلك وأشد إعجاباً: أن يشارك أهل العلم في هذا البلاء وهذا الشرك، وأنهم يدعون إلى ذلك، وهؤلاء الذين وقعوا في هذا الشرك الأكبر البين إنما تضم صحائفهم إلى صحائف سيئات هؤلاء أصحاب العمائم الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

يقول الله تعالى: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِ