للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بافتراق الأمة إلى فرق وأحزاب]

قال: [(إن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة ويزيدون عليها ملة)].

وفي حديث آخر: (وأمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة.

فقالوا: يا رسول الله! وما هي؟ قال: الذي أنا عليه وأصحابي).

بعض الناس يتصور أن هذه الفرق كافرة، وأن هذه الفرق مخلدة في النار، وهذا فهم خاطئ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحكم عليها بالكفر والخروج من الملة، ولذلك أثبت في أول الحديث أن هذه الفرق من الأمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي).

وقال: (وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار).

فكيف تكون هذه الفرقة من الأمة وهي في النار؟

الجواب

صاحب المعصية وصاحب الكبيرة يدخل النار، ومع هذا لا يخلد فيها، وإنما إذا استحق جزاءه عذب في النار ثم خرج منها فدخل الجنة.

ولا سبيل إلى ضبط نصوص الوعد والوعيد إلا على هذا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وصام وصلى وزكى وحج وأمر بالمعروف ونهى عن منكر ليس كمن يشهد أن لا إله إلا الله ولكنه لا يعرف المعروف ولا يعرف المنكر فيقع في المنكر وينهى عن المعروف.

بل من الفرق الإسلامية أو من الفرق التي انتمت وانتسبت إلى الإسلام فرق كثيرة جداً تفرعت عن الفرق الأصلية، ذكرها ابن الجوزي في كتاب (فرق الأمة)، وذكرها ابن تيمية في كتاب (الفتاوى) وغيرها من الكتب التي تكلمت عن الفرق، قال: ومن الفرق الإسلامية فرق تفرعت عن الفرق الرئيسية.

هي ثلاث وسبعون، تفرقت عنها فرق خارجة عن ملة الإسلام لم تسلم قط، فهذه الفرق لا تعد من الفرق الإسلامية؛ لأن الفرق الإسلامية لم يحكم عليها النبي عليه الصلاة والسلام بالكفر، وإنما حكم عليها بالضلال والانحراف الذي استحق الوعيد، فكلها في النار، ولم يقل عليه الصلاة والسلام: كلها في النار خالدة مخلدة فيها أبداً، وإنما قال: (كلها في النار إلا واحدة)، فلا يلزم من دخول المرء النار الخلود فيها أبداً، وإنما دخول النار والخلود فيها بمعنى: المكث الطويل لا الأبدية.

ولذلك أنت لو راجعت نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة المطهرة لوجدت أن لفظ: (خالداً مخلداً فيها أبداً) لم يرد إلا في حق الكفار الأصليين، أما المسلم المنحرف العاصي الذي أتى الكبائر وانحرف عن المنهج فلا تجد إلا خالداً مخلداً، ومعنى (خالد) أي: ماكث مكثاً طويلاً، لكنه في نهاية الأمر لابد أن يخرج من النار ويدخل الجنة؛ لأنه قال في يوم: لا إله إلا الله.

ولابد من هذا التأويل حتى تستقيم النصوص ولا يحصل فيها تعارض ولا تناقض.

قال: [قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة.

فقيل: يا رسول الله وما هذه الواحدة؟ -ما هذه الفرقة؟ - فقبض يده وقال: الجماعة.

فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)].

قال: [عن عوف بن مالك قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار)] يعني: واحدة في الجنة: وهم الذين تبعوا موسى عليه السلام وعملوا بشرعه واهتدوا بهديه واستنوا بسنته قبل مجيء عيسى عليه الصلاة والسلام.

قال: [(وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وإحدى وسبعون في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار.

قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: الجماعة)].

قال: [عن أبي عامر عبد الله بن لحي قال: حججنا مع معاوية فلما قدمنا مكة صلينا صلاة الظهر في مكة، قام فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثاً وسبعين ملة -يعني: الأهواء والنحل- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة) ثم قال: [(إنه سيخرج في أمتي قوم يتجارى بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)].

قوله: (وإن هذه الأمة يتجارى بها) أي: يتمادى بها كما يتمادى الكلب بصاحبه، والكلِب بكسر اللام: داء يصيب الكلب، نقول: هذا الكلب مسعور.

أو نقول: هذا الكلب غير مسعور.

يعني: كلب طبيعي يألف ويؤلف.

وهناك كلب لا يستطيع حتى صاحبه أن يقترب منه؛ لأن كل من اقترب منه عضه.

ومعنى (الكلب المسعور): أنه أصيب بداء في بدنه هذا الداء يسمى الكِلب؛ ولذلك من الأخطاء الشائعة أن يقال: مستشفى الكلب، يعني: يستشفى فيها من عض الكلاب.

والصحيح: مستشفى الكلِب.

أي: المستشفى الذي يعالج به مرض الكلِب، وليس مستشفى الكلْب.

فالكلِب داء يصيب الكلب، هذا الداء إذا أصاب الكلب في أي مكان يسري في بدنه سريان الشيطا