للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة القيامة]

وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة القيامة فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام يوم القيامة: يا آدم! قم ابعث من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول: يا رب! وما بعث النار؟ قال: فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال: فعند ذلك يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذب الله شديد.

قال: فشق ذلك على الناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج، ثم رجع، فقال: أبشروا؛ فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم واحد)]، ويأجوج ومأجوج هم من ولد يافث بن نوح.

وقيل: هم جيل من الترك.

ولعل هذه الآراء مقبولة، ولكن الذي ليس مقبولاً هو الرأي القائل بأن بعث النار هم من أثر احتلام لآدم عليه السلام خالط منيه التراب فنبتت الذرية من هذا الخليط بين المني وبين التراب.

وهذا كلام بعيد جداً، خاصة أن هؤلاء لا يسمون ولا حتى في اللغة أبناء، والحديث يقول: (يا آدم! قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار) وهؤلاء لا يمكن أن يصدق عليهم أنهم ذرية.

قال: [(والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، قال: فكبروا وحمدوا -أي: فرح الصحابة بذلك- ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، قال: فكبروا وحمدوا.

ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبروا وحمدوا الله، قال: ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود)]، يعني: ما أنتم في الأمم قبلكم إلا شيئاً يسيراً نزراً، كأنه يبشرهم أنهم أكثر أهل الجنة، كما ثبت أيضاً في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، أنتم منهم ثمانون) أي: أن هذه الأمة المحمدية ثلث أهل الجنة.

قال: [وقال ابن عمر: (قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] قال: يقومون في رشحهم -أي: في عرقهم- إلى أنصاف آذانهم)]، والحديث في الصحيحين.

قال: [وقال المقداد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد قدر ميل.

قال الراوي: لا أدري هذا الميل أهو ميل الأرض -يعني: المساحة المعروفة بالميل- أو أنه ذاك المرود الذي تكتحل به المرأة؟)]، فالعرب تسميه ميلاً، فتصور أن الشمس تدنو من رأسك قدر ميل، ولنعتبره على أحسن الأقوال ميل مساحة الأرض، وانظر إلى هذه الملايين من الأميال بين الشمس وبين رءوس العباد ومع هذا إذا اقتربنا من خط الاستواء قتل الناس حراً وزهقاً من شدة الحر، فما بالك والشمس فوق رأسك مباشرة؟ نسأل الله السلامة والعافية.

قال: [(فتصهرهم الشمس -يعني: تذيبهم أو تكاد- فيكون العرق على قدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عقبه، ومنهم من يأخذه إلى ركبته، ومنهم من يأخذه إلى حقوه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً)].

بعض الملاحدة لا يعجبه هذا الحديث، ويقول: الناس في موقف واحد ومحشر واحد وأرض واحدة فكيف يختلفون في عرقهم على قدر أعمالهم مع أن الماء سيال؟ والرد عليه: أن الله تعالى على كل شيء قدير، كما أن الله تعالى قادر على أن يبعث هذا الملحد ويلجمه إلجاماً، أو يلقيه في النار ولا يبالي، فكما أننا نؤمن بهذا نؤمن بذاك، وليس هذا ببعيد، فإننا نعتقد أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار مع أن القبر الواحد يدفن فيه البر والفاجر، الصالح والطالح، ومثال ذلك في حياة الناس: الرجل مع امرأته ينامان في موضع واحد وفي سرير واحد، فهذا يرى رؤيا طيبة وذاك يحلم حلماً سيئاً مفجعاً، فهذا يعذب بما رأى في حلمه، وذاك ينعم بما رأى في رؤياه، وكلاهما في موطن واحد.

والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينزل عليه الوحي في الليلة الباردة حتى يتصبب عرقاً وبجواره أصحابه لا يشعرون بشيء من ذلك، لا يشعرون بآلام الوحي وشدته التي كانت تنزل على النبي عليه الصلاة والسلام وهو معهم في موطن واحد، فإذا كان هذا في حياة الناس فكيف لا نؤمن به في يوم القيامة؟ فالله تعالى على كل شيء قدير.

قال: [وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) أي: التي نطحتها.