للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف الشرع من علم أسرار الحروف]

ذكر ابن خلدون: أن بعض المتصوفة خاضوا في نوع من السحر هو علم أسرار الحروف، وهذا نوع من أنواع السحر، يظل الشخص يفسر لك (بسم الله الرحمن الرحيم) في شهر، يقول لك: الباء تعني كذا وتفيد كذا، والباء من كذا، وأصلها كذا، ومردها إلى كذا، والمحاضرة التي بعدها عن السين وهي تفيد كذا، وأصلها كذا، وذاهبة إلى أين، وأتت من أين، وهذا ما يعرف بالتفسير العددي للقرآن الكريم، وعبد الرزاق نوفل هو إمام أئمة هؤلاء الدجالين السحرة.

وفي أحداث سبتمبر رأينا أناساً يستشهدون بالآية رقم مائة وعشرة من سورة التوبة على أن البرج مائة وعشرة، مع أن البرجين كانا مائتين وعشرين، وهذا ما يدل على كذبهم، فيستخدمون أسرار الحروف، وهذا النوع هو المسمى بالسيمياء، نقل وضعه من الطلسمات في اصطلاح أهل التصوف من المتصوفة استعمل هذا الاستعمال الخاص.

ويذكر ابن خلدون: أن هذا العلم حدث في الملة بعد صدر منها، يعني: خلف الأمة لم يكونوا يعرفون علم السيمياء هذا، ولا علم تفسير القرآن بالأعداد، ولا علم التفسير بالحروف، وعند ظهور غلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحفظ، وظهور الخوارق على أيديهم، والتصرفات على عالم العناصر، وتدوين الكتب والاصطلاحات، ومزاعمهم في تنزل الوجود على الواحد وترتيبه، وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب، وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان على هذا النظام، والأكوان من لدن الإبداع الأول تنتقل في طوره، وتعرب عن أسراره، فحدث لذلك علم أسرار الحروف، وهو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على موضوع، ولا تحاط بالعدد مسائله، وتعددت فيه تآليف البوني وابن عربي وغيرهما ممن اتبع آثارهما، وحاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة في الأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان.

وفي الشهر الماضي رأينا بعض الأوراق التي فيها معالجة بعض الأمراض بالأسماء الحسنى، وهذا الباب من أبواب السحر، يقولون: الذي عنده جذام يكون علاجه في اسم الله كذا، يقرؤه ألف مرة، أو مائة مرة، أو ثلاثمائة وسبعين مرة، أو مائة واثنين وخمسين مرة، فمن أتيتم بهذه الأعداد؟ وما يدريكم بأن هذا الاسم هو الذي يوافق هذا المرض؟ ألستم تعرفون أن الدواء إذا وافق الداء كماً، وقدراً وكيفاً أصابه بإذن الله تعالى، وممكن أن شخصاً يأخذ علاجاً لكن لا يبرأ؛ لأن العلاج هذا لا يناسب الداء، أو أنه مناسب للداء لكن الجرعة التي يأخذها ليست كافية، ومما يدل على ذلك: (أن رجلاً أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إن أخي استطلق بطنه، - يعني: بطنه توجعه - فقال: مره فليشرب عسلاً، فشرب عسلاً فلم يبرأ، فأتى أليه مرة أخرى وقال: يا رسول الله! لم يحصل أي شيء إنه مريض، قال: مره فليشرب عسلاً، ثم مره فليشرب عسلاً، حتى برأ).

يقول ابن القيم عليه رحمة الله: لم يبرأ أولاً لأنه لم يأخذ القدر الكافي من الدواء، فلو قال لك: أنت علاجك بإذن الله تعالى في هذا الدواء، فتقول: من أجل أن أخلص نفسي أشربه كاملاً من أجل أن أرى صدق هذا الطبيب من كذبه، ثم تفاجأ بأن الطبيب صار كذاباً؛ لأنك تصاب بتسمم، وفي الحقيقة الطبيب ليس كاذباً، الطبيب محق في صرف هذا الدواء وهو المناسب للداء، لكن المناسب له بالكيفية المعينة، وأنت خالفت الكيفية، فربما تصاب بداء أعظم من دائك الذي تريد التطبب والعلاج منه.

نتوقف عند هذا الحد، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله.