للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين المعجزة والكرامة]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

لقد اختص الله عز وجل الأنبياء والرسل بالمعجزات، واختص الأولياء بالكرامات، وجعل الجميع يشتركون في صفة وهي: أن ما يحدث لهم هو من خوارق العادات، فالمعجزة خارقة للعادة، والكرامة خارقة للعادة، بل حتى السحر كذلك، لكن المعجزة تختلف عن الكرامة بأنها خاصة بالنبي، ولذلك سميت معجزة؛ لأنها مصحوبة بالتحدي، فالنبي يتحدى قومه أن يأتوا بمثلها، ولذلك تحدى الله تعالى في كتابه أبلغ العرب وأفصحهم أن يأتوا بمثل هذه القرآن، أو بعشر آيات، أو بسورة، أو بآية، فما أفلح أبلغهم وأفصحهم وأبينهم وأعذبهم لساناً أن يأتي بآية واحدة تشبه آية من كتاب الله عز وجل، مع أن الله تعالى تحداهم في مجال مشهود لهم فيه بالكفاءة.

كان الأعرابي في باديته يعلم لحن القارئ؛ لأن الآية عنده لا تستقيم على ذلك النحو، فإذا صححها التالي وافقه على هذا التصحيح، وهو أعرابي ربما لم يسمع أهل العلم من قبل، لكن القوم كانوا أبلغ الخلق، ومع هذا فقد تحداهم الله عز وجل أن يأتوا ولو بآية واحدة مما أوحاه الله وأنزله على محمد عليه الصلاة والسلام فعجزوا عن ذلك، ولذلك المعجزات لا تكون إلا للأنبياء، بخلاف الكرامة فإنها تكون للنبي ولغيره، لأن المعجزة ما هي إلا كرامة لهذا النبي، وإظهار لنبوته.

كما أن المعجزة مصحوبة بالتحدي، وإلا فلن تكون معجزة، أما الكرامة فغير مصحوبة بالتحدي، وإلا كانت معجزة، ولذلك إذا أجرى الله تعالى كرامة على يد رجل صالح فلا يحل له أن يتحدى بها، وإلا كانت باباً عظيماً من أبواب فساد القلب لمن جرت على يديه هذه الكرامة، ويوشك أن تؤخذ منه، وأن يحرمها بقية حياته؛ لأنه لا يحل له أن يتحدى بها، بل الكرامة للأولياء والصالحين إنما هي محض فضل من الله عز وجل.

وإذا أردنا أن نفرق بين الكرامة وبين السحر، ونميز بين ما إذا كانت هذه الخارقة للعادة هي كرامة أم دجل، فلابد من النظر إلى من جرت على يديه هذه الخوارق، وهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله وكلام من سبقه وأتى بعده، يقول: لا تحكم على فعل الرجل إلا إذا نظرت إلى دينه واستقامته، فإذا جرت على يديه أمور خارقة للعادة فلا تحكم بأنها كرامة أو دجل إلا بعد النظر إلى استقامة الرجل وإلى دينه، فإذا كان مستقيماً فهذه كرامة، وإذا كان غير مستقيم فهذا دجل، ويقول في كتاب (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان): إذا رأيت الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فلا تحكم له حتى ترى أمن أهل الاستقامة هو أم لا؟ فإذا كان من أهل الاستقامة فاعلم أن ما هو عليه كرامة من الله عز وجل وإلا فلا.

هذه مقدمة سريعة في بيان الفرق بين المعجزة وبين الكرامة، وبين السحر أو الدجل.