للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف أم معبد للنبي صلى الله عليه وسلم]

[قال: (فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزلى -يعني: يتمايلن من فرط الهزال والضعف- مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد! والشاء عازب حيال؟ -يعني: لها حول لم يقربها الفحل- قالت: لا والله؛ إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا)] أي: قصت له القصة التي رأتها بعينيها، [قال: (صفيه لي يا أم معبد! قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة)] يعني: حسن المنظر، هذه أوصاف نبينا عليه الصلاة والسلام، [(أبلج الوجه)] يعني: نير الوجه، [(حسن الخلق لم تعبه علة)] يعني: بلغ في الكمال البشري منتهاه صلى الله عليه وسلم، [(ولم يزربه صقلة -أي: ولم يعبه أدنى شيء- وسيم قسيم)] وسيم من الوسامة، وقسيم أي: جميل، [(في عينيه دعج -أي: في عينيه سواد شديد- وفي أشفاره غطف، وفي صوته صهل -يعني: بحة- وفي عنقه سطع -أي: طول- وفي لحيته كثافة)] يعني: كث اللحية وكثيفها [أزج أقرن، إن صمت فعليه وقار) يعني: لو سكت يعلوه الوقار، [(وإن تكلم سما به) يعني: إن تكلم ازداد وقاراً وسما به وعلا، [(أكمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأعلاهم من قريب، حلو المنطق، كلامه جميل لا يمله السامع، فضل لا نزر به ولا هزر) أي: لا يتكلم بكلام لا قيمة له، [(ولا يهذر في كلامه)] أي: لا يقول كلاماً مستقبحاً، [(كأن منطقه خرزات)]، أرأيتم عقد اللؤلؤ؟ كأن كلامه عقد يتساقط حبة بعد الأخرى.

قالت: [(نظم يتحدرن، ربعه يأسن من طول، وتقتحمه العين من قصر، غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً)].

إن وصفه عليه الصلاة والسلام عجيب جداً، ومن أراد أن يتعرف على شمائله ومناقبه وخلقته عليه الصلاة والسلام وخُلُقه فلينظر في كتاب الشمائل للإمام الترمذي، فموضوع الكتاب من أوله إلى آخره هو بيان حاله ووصفه عليه الصلاة والسلام.

قالت المرأة: [(وله رفقاء -يعني: أصحاب- يحفون به -أي: يحوطونه من كل جانب-، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر بادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند)] محفود أي: مسارع في خدمته، محشود عنده حشد من الناس يحفون به من كل جانب لخدمته، (لا عابس ولا مفند)، يعني: لا يتكلم بكلام فيه عبس، ولا أصابه الخرف ولا أصابه شيء في عقله.

[قال أبو معبد: (هذا والله صاحب قريش) هذا الرجل الذي كنا نسمع عنه، وإنه نبي آخر الزمان وإنه من قريش؛ الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، قال: (ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه.

يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد قالا بمعنى: أنهما بقيا في خيمة أم معبد وقت القيلولة: هما نزلاها في هدى واهتدت به فقد ساد من أمسى رفيق محمد فيا آل قصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا يجازى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حايل فتحلبت عليه بصريح ضرة الشاة مزبد فغادره رهناً لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد] أي: ترك لها الحلوب الثاني لديها رهناً [ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد] إلى آخر هذه الأبيات.