للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قبض العلم]

قال: [عن أبي قلابة أن ابن مسعود قال: عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله، عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يقبض، أو متى يفتقر إليه].

فقوله: عليكم بالعلم يعني: تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه؛ ولذلك تجد في بعض التراجم مصطلحاً عجيباً جداً، وهو قولهم: صدوق يهم، اضطر الناس إليه أخيراً.

يعني: هو لم يكن أهلاً للرواية عنه، ولكن عنده من العلم والرواية ما ليس عند غيره، فاضطر الناس إلى حمل العلم عنه في آخر أيامه؛ لأنه لم يبق أحد عنده من العلم ما عند هذا الرجل، فاضطروا إليه، وهذا معه هدي السلف، حتى وإن كان من أفسق الناس يحملون عنه، ويا حبذا لو حمل عنه أهل الفهم والذكاء والعقل الراجح الذين يميزون بين الحق والباطل، لا عامة الناس الذين يفتنون بباطل هؤلاء؛ ولذلك تجد في بعض التراجم أن كثيراً من علماء السلف إنما حملوا علماً معيناً عن أصحاب البدعة، بل وعن أصحاب المعاصي، حتى ورد عن أحدهم أنه كان تاركاً للصلاة، فقال طلابه: نختبر ذلك فيه، إذا نام لطخنا مؤخرة قدمه بالمداد فنظرنا هل يذهب هذا المداد بماء الوضوء أم لا؟ فظل المداد في قدمه أسبوعاً كاملاً.

هل هناك أحد يصلي ويخفى على أحد، فالإنسان الذي يصلي لا يخفى على عامة الناس من جيرانه وإخوانه وطلابه أنه يصلي.

فتصور أن يكون شيخاً محل اختبار الطلاب، هل هو يصلي أو لا يصلي؟ ومع هذا كانت الرحلة إليه في زمانه، لأجل علم أصول الفقه ما لا يحمله أحد على وجه الأرض، فذهب الناس إليه العالم وغير العالم لحمل العلم عنه، ولم ينظروا إلى معصيته في هذه الحالة.

أما أهل البدع فكم تقرأ في كتب الرجال، بل وفي رواة الصحيحين: فلان قدري، فلان معتزلي، فلان شيعي، فلان خارجي، فلان محترق بالتشيع، وغير هذه الكلمات، وتجدهم من رواة الصحيحين.

أما قول ابن مسعود هنا: عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله، فإن أحدكم لا يدري متى يطلب أو متى يفتقر إليه.

يعني: فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج الناس إليه.

عندما تنزل قرية وهذه القرية في شوارع القاهرة، الناس يرونك ملتحياً واللحية طويلة، وشكلك شيخ، وأنت لا تعرف شيئاً بالمرة، فيجيء إليك شخص ويقول لك: يا شيخ! أنا طلقت امرأتي، أو قلت لامرأتي كذا، وقلت لأبي وقلت لأمي، ولشريكي في العمل.

فأنت واحد من اثنين: إما أن تكون موفقاً وتقول: لا أدري، وإما أن يحملك الحياء المزور الباطل أن تقول في دين الله ما لم ينزل الله به سلطان، وهذا الذي يحصل.

فموقف مثل هذا يستحثك على طلب العلم، لو الناس احتاجوا إليك وأنت مؤتمن على دينك، فإذا كان الأمر كذلك فلا أقل من أن تعض بالنواجذ على كل لحظة وثانية تمر من وقتك، فإنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

وكان السلف رضي الله عنهم من أحرص الناس على الانتفاع بأوقاتهم، وعدم التفريط في لحظة واحدة، ولهم في ذلك حكايات وروايات تطول ولا داعي للبدء في هذا الأمر.

قال: [كان عروة بن الزبير يأتي بأبنائه وأبناء أخيه عبد الله بن الزبير ويقول: يا بني! تعلموا العلم فإنكم صغار قوم اليوم، وربما تكونوا كبار قوم غداً.

وما سئل أحد مسألة فأصيب بخيبة من عالم يسأل في مسألة لا جواب عنده فيها].

فيحثهم على طلب العلم.

قال: [قال عمر رضي الله عنه: تعلموا قبل أن تسودوا].

يعني: تعلموا قبل أن تصيروا سادة كبار عظماء في نظر الناس.

قال: [قال مالك: لا أحب أن يتولى الرجل القضاء إلا أن يتعلم.

قيل: ولم؟ قال: لأنه إن عزل من القضاء أنف أن يرجع في طلب العلم].

يعني: أنف أن يكون طالباً بعد أن كان قاضياً.

فهذه بعض النصوص في معنى قول ابن مسعود: فإن أحدكم لا يدري متى يقبض أو متى يفتقر إلى ما عنده، وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق، وعليكم بالعتيق.

ويقول: وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد نبذوه وراء ظهورهم.

يعني: لا علاقة لهم البتة بكتاب الله عز وجل ولا بسنة رسوله، وإن كانوا في ظاهر أمرهم يدعونكم إلى كتاب الله، مثل جماعة التكفير والهجرة، الظاهر أنهم يدعون إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء قد نبذوا القرآن والسنة وراء ظهورهم، ولا توجد علاقة مهما دقت وجلت تربطهم بكتاب الله ولا بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم خوارج هذا العصر حقاً، وهم أبناء الخوارج السابقين الذين ظهر سيدهم وأبوهم الفكري في زمن النبي عليه الصلاة والسلام.

حدثني رجل وقال: لقد ذهبت لشراء بعض قطع الذهب لبناتي من شارع فيصل، وأنتم تعرفون أن التكفير والهجرة مقرها في شارع فيصل، فمستنقع التكفير والهجرة فيه، وهم يتمركزون هناك وينادون على بعضهم البعض من أقطار المحافظات للسكنى في هذا المكان، ولا أدري ما علة ذلك! ربما تكون في المستقبل دولة مستقلة مثلاً! أو ينوون